للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرجل لم يكن عليه إثم إن شاء الله تعالى؛ لأنه يغرم ذلك إن استهلكه إلا أن يكون شيئاً يسيراً فلا أحب له أن يترك استهلاكه ثم يغرمه لصاحبه.

ألا ترى أن رجلاً لو رأى (١) رجلاً يخاف عليه الموت من العطش والجوع ومع رجل طعام أو شراب فأبى أن يعطيه شيئاً من ذلك، وقوي الرجل على أخذه منه (٢) حتى يدفعه إلى الرجل فيأكله ويشربه وسعه أن يأخذه من صاحبه، ويغرمه له، وإن لم يأخذه منه وتركه حتى يموت وسعه ذلك عندنا، ولكن أخذه أفضل؛ لأن هذا أمر يسير لا يجحف به قيمته ولا يغرم فيه، ولو كان ذلك يجحف به وسعه أن لا يأخذه.

ولو رأى رجلاً يقتل رجلاً وهو يقوى على منعه من قتله لم يسعه عندي أن لا يمنعه وإن أتى ذلك على نفس الذي أراد قتل صاحبه، ولا يشبه هذا عندي الأول، هذا لا غرم عليه فيه، وهي مظلمة يدفعها عن أخيه فلا يسعه تركه، ولا قود عليه فيما صنع بالذي (٣) أراد قتل (٤) صاحبه. والوجه الأول إن أخذ الطعام أو الشراب ضمنه لصاحبه، فهذا ليس بمظلمة. ألا ترى أنه يغرم قيمة ما أخذ، ولا ينبغي أن يقتله إن أبى أن يعطيه، ولكنهم لو انتهوا إلى بئر فيها ماء فمنع المضطر من الشرب منها فلم يقو (٥) عليهم وقوي صاحبه على قتالهم حتى يأخذ الماء فيسقيه لم يسعه إلا ذلك وإن أتى على أنفسهم. ألا ترى أن المضطر نفسه يحل له أن يقاتلهم على هذا بالسيف حتى يقتلهم جميعاً أو يخلوا عنه وعن الماء، فإذا كان طعاماً (٦) قد أحرزوه أو شراباً قد أحرزوه في أوعيتهم لم يسعه أن يقتلهم عليه إن منعوه، لأنه إنما يخاف مثل ما يصنع بهم، ولكنه يكرههم على أن يأخذ منهم بغير قتل ثم يغرمه (٧) لهم.

ولو أن رجلاً قيل له: لتشربن هذه الخمر أو لتأكلن هذه الميتة أو


(١) م ف ز: لو أرى.
(٢) ف ز - منه.
(٣) م ف ز: الذي.
(٤) م ز: قبل.
(٥) ز: يقوا.
(٦) ز: طعام.
(٧) ف: ثم يغرم.

<<  <  ج: ص:  >  >>