والاستقرار في المجتمع وتغطية احتياجات الناس المختلفة مع الحفاظ على التوازن بين فئات المجتمع. وقد كان الفقه الإسلامي بمدارسه المختلفة في حيز التطبيق كلياً أو جزئياً في المجتمعات الإسلامية ابتداءً من العصور الأولى للإسلام إلى يومنا هذا بدون انقطاع. نعم، كانت هناك فترات صعبة مر بها الفقه الإسلامي في مواجهة الظروف التاريخية والاجتماعية، لكن ظل هذا الفقه يوجه حياة المسلمين على وجه العموم في مختلف مجالات حياتهم، سواء في مسائل العبادات أو مسائل الحلال والحرام أو المعاملات أو غير ذلك. وإن من أهم الأسباب التي جعلت الفقه الإسلامي يعيش طوال هذه القرون هو إيمان المسلمين بأن أساس هذا الفقه هو الوحي الإلهي المتمثل في القرآن الكريم والسنَّة النبوية الكريمة، وبأن اتباعهم لأحكام هذا الفقه هو اتباع للإرادة الإلهية التي خلقتهم وجعلت هذه الحياة مسرحاً لاختبارهم، وأن ما يعمله الإنسان من الخير والشر سيحاسب عليه في الحياة الأخرى.
لقد استطاع الفقه الإسلامي بمدارسه المتنوعة الغنية وبتراثه الزاخر الذي يعتبر مفخرة من مفاخر المسلمين والبشرية جميعاً أن يحافظ على حيويته على مدار العصور والأمكنة؛ لكن الفقه الإسلامي يواجه اليوم مشاكل داخلية وخارجية تحد من فهمه فهماً صحيحاً ومن تطبيقه تطبيقاً مثالياً لأسباب كثيرة ليس محل إيضاحها هاهنا. وإن دراسة تاريخ الفقه الإسلامي وكيفية نشأته وتطوره سيبين لنا كيف استطاع علماؤنا الأوائل تطوير هذا الفقه بآليات عقلية مثل القياس والاستحسان وغيرهما بما جعله يتناسب مع احتياجات زمانهم دون أن يقطعوا علاقتهم مع منابع هذا الفقه من الوحي الإلهي ويولوه ظهورهم.
لقد قام علماء وفقهاء المسلمين وغيرهم بدراسة جوانب كثيرة من الفقه الإسلامي تاريخاً وحاضراً، وأثبتوا أن هذا الفقه لا يزال قادراً على مواجهة مسائل المجتمعات المختلفة في العالم. لكن مما يؤسف له أن عناية المسلمين بتراثهم لا يزال غير كاف. ومن أهم الأدلة على ذلك أن كثيراً من الكتب الفقهية المؤسسة لعلم الفقه عند المسلمين لم يطبع بعد، أو طبع