للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذاك من أهل الحديث. ولم يشتغل أبو حفص برواية الحديث، فقلت الرواية عنه لذلك (١). وهو معروف عند الحنفية بأبي حفص الكبير (٢). وقد انتهت إليه رئاسة الأحناف ببخارى (٣). وذكر السرخسي وغيره أنه قدم محمد بن إسماعيل البخاري بخارى في زمن أبي حفص الكبير وجعل يفتي، فنهاه أبو حفص وقال: لست بأهل له. فلم ينته حتى سئل عن صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة، فأفتي بثبوت الحرمة، فاجتمع الناس عليه وأخرجوه من بخارى (٤). لكن استبعد اللكنوي وقوع هذه القصة بالنسبة إلى جلالة قدر البخاري ودقة فهمه مما لا يخفى على من طالع صحيح البخاري (٥). وقد روى أبو حفص كتاب الحيل عن الإمام محمد (٦). لكن الجوزجاني كان ينكر نسبة كتاب الحيل إلى الإمام محمد (٧). ومع ذلك فقد قبله الحاكم والسرخسي وأدخلاه في كتابيهما. وأبو حفص ليس راوي كتاب الحيل في النسخ التي بأيدينا. وقد روى أبو حفص كتاب الأصل عن الإمام محمد، واشتهرت روايته. وقد روي عن الإمام محمد أنه قال: "لم يحمل عني هذا الكتاب أحد أصح مما احتمله البخاري، ولم يستقص أحد مثل استقصائه" (٨). وأخذ الفقه عنه جماعة لا يحصون ببخارى ونواحيها (٩). ومن بينهم ابن محمد، وستأتي ترجمته. وقد بقي جزء كبير من كتاب الأصل مروياً من طريقه في النسخ التي بأيدينا. وعول على روايته الحاكم والسرخسي في كثير من المواضع، لكنها تأتي في الدرجة الثانية بعد رواية


(١) سير أعلام النبلاء، ١٠/ ١٥٧ - ١٥٩؛ وتاريخ الإسلام للذهبي، ١٥/ ٣٩ - ٤١.
(٢) الجواهر المضية، ١/ ٦٧.
(٣) سير أعلام النبلاء، ١٢/ ٦١٩.
(٤) المبسوط، ٢٩٧/ ٣٠؛ والجواهر المضية، ١/ ٦٧؛ وفتح القدير، ٣/ ٤٥٧.
(٥) الفوائد البهية، ١٨ - ١٩.
(٦) المبسوط، ٣٠/ ٢٩٧؛ وفتح الباري، ١٢/ ٣٣١.
(٧) المبسوط، ٣٠/ ٢٠٩.
(٨) مناقب أبي حنيفة للكردري، ٤٢٥.
(٩) الجواهر المضية، ١/ ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>