للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلماء، فمن قام بحق الخدمة وإعزاز الملك فهو هيبة للعدو، ومن قعد اتبع السنَّة التي عنكم أُخذت، فهو زين لكم. قال: صدقت يا محمد. ثم قال: إن عمر بن الخطاب صالح بني تغلب على أن لا ينصّروا أبناءهم، وقد نصّروا أبناءهم وحلّت بذلك دماؤهم، فما ترى؟ قال: قلت: إن عمر أمرهم بذلك، وقد نصّروا أبناءهم بعد عمر، واحتمل ذلك عثمان وابن عمك (١)، وكان من العلم ما لا خفاء به عليك، وجرت بذلك السنَّة، فهذا صلح من الخلفاء بعده، ولا شيء يلحقك في ذلك، وقد كشفتُ لك العلم، ورأيك أعلى. قال: لَكِنّا نجريه على ما أجروه إن شاء الله، إن الله أمر نبيه بالمشورة، فكان يشاور في أمره ثم يأتيه جبريل -عليه السلام- بتوفيق الله، ولكن عليك بالدعاء لمن ولاّه الله أمرك، ومُرْ أصحابك بذلك، وقد أمرت لك بشيء تفرّقه على أصحابك. فخرج له مال كثير ففرّقه" (٢).

وفي سنة ١٧٦ ظهر يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (٣) بالديلم واشتدت شوكته، فاغتم الرشيد لذلك، فندب إليه الفضل بن يحيى في خمسين ألفاً، فكاتب يحيى بن عبد الله ولطف به، فأجاب يحيى إلى الصلح، على أن يكتب له الرشيد أماناً بخطه يشهد عليه فيه القضاة والفقهاء وجِلّة بني هاشم ومشايخهم، فأجابه الرشيد إلى ذلك، وسيّر الأمان مع هدايا وتحف. فقدم يحيى مع الفضل بغداد، فلقيه الرشيد بكل ما أحب وأمر له بمال كثير وأنزله منزلاً سَرِياً. ثم إن الرشيد حبسه فمات في الحبس. وكان الرشيد قد عرض كتاب أمان يحيى على محمد بن الحسن وعلى أبي البَخْتَرِي القاضي (ت. ٢٠٠) (٤)، فقال محمد: "الأمان صحيح". فحاجّه


(١) أي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٢) تاريخ بغداد، ٢/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٣) هو من الطالبيين الذين خرجوا على العباسيين، وقد رباه جعفر الصادق، وتفقه عنده. دعا إلى نفسه في بلاد الديلم، ثم صالح الرشيد بأمان، وقدم بغداد، ثم حبسه الرشيد إلى أن مات. انظر: الأعلام للزركلي، ٨/ ١٥٤.
(٤) هو وهب بن وهب القرشي المدني، ولاه هارون الرشيد قضاء عسكر المهدي أي شرقي بغداد، ثم قضاء المدينة، ثم عزل ورجع إلى بغداد وتوفي بها. وهو ضعيف عند المحدثين. انظر: الأعلام للزركلي، ٨/ ١٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>