للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باطل لا يلزم، وله أن يقتله؛ لأنه أخبر بكذب أكره عليه. وهذا لا يشبه إكراهه إياه على أن يعفو عنه عفواً (١) مستقبلاً؛ لأن العفو المستقبل (٢) عفو لا يسعه في القضاء وفيما بينه وبين ربه أن يقتله بعد عفوه، والإقرار بأمر ماض لم يكن فهو كذب، فإنما أكرهه على أن يكذب، فالإقرار بالكذب وهو مكره عليه باطل.

ولو أن رجلاً أكره على أن يقر بعبد له أنه ابنه، فأبى أن يقر بذلك، فقال له: لأقتلنك أو لأحبسنك أو لتقرن بذلك، فأقر به، لم يكن ابنه ولم يعتق؛ لأن هذا ليس بعتق مستقبل، إنما هذا خبر (٣) بأمر ماض، فإنما هو كذب أكره عليه. وكذلك لو أكره على أن يقر بأن هذه الجارية أم ولد له قد ولدت منه ولداً، فأقر بذلك، كان إقراره باطلاً. وكذلك لو أقر بتدبير ماض بإكراه كان إقراره باطلاً.

ولو أن نصرانياً أكره على الإسلام حتى أسلم كان مسلماً، فلو رجع إلى النصرانية لم يترك وأجبر على الإسلام، فإن أبى أن يسلم حبس حتى يسلم، ولا يقتل للشبهة التي دخلت؛ لأنا لا نعلم من سره ما يعلم. ألا ترى أن أبا حنيفة قال في المكره على الكفر: القياس أن تبين منه امرأته؛ لأنا لا نعلم من سره ما يعلم (٤)، ولكني (٥) أستحسن أن لا أبينها (٦) منه. فإذا كان هذا استحساناً لم يجز في الاستحسان أن يرد المسلم إلى الكفر ويبطل إسلامه، ولكن يؤخذ في هذا بالقياس، فيجبر على الإسلام ولا يقتل. ولو لم يكرهه على الإسلام ولكنه أكرهه على أن يقر أنه أسلم أمس ووصف الإسلام وصلى مع المسلمين، فأكرهه على أن يقر بأن هذا قد كان منه فيما مضى، فأقر بذلك ثم رجع عنه، لم يعرض له، وكان على كفره


(١) ز - عفوا.
(٢) م: بالمستقبل.
(٣) ف ز: أخبر.
(٤) ف - ألا ترى أن أبا حنيفة قال في المكره على الكفر القياس أن تبين منه امرأته لأنا لا نعلم من سره ما يعلم.
(٥) م ز: ولكن.
(٦) ز: لا تبين.

<<  <  ج: ص:  >  >>