للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رضي الله عنه -" (١). ويقول الجاحظ وهو يتحدث عن جياد الكتب وتأثيرها في تعليم الإنسان: "وقد تجد الرجل يطلب الآثار وتأويل القرآن ويجالس الفقهاء خمسين عاماً وهو لا يعد فقيهاً ولا يجعل قاضياً، فما هو إلا أن ينظر في كتب أبي حنيفة وأشباه أبي حنيفة ويحفظ كتب الشروط في مقدار سنة أو سنتين حتى تمر ببابه فتظن أنه من باب بعض العمال، وبالحَرَى أن لا يمر عليه من الأيام إلا اليسير حتى يصير حاكما على مصر من الأمصار أو بلد من البلدان (٢).

وسميت تلك الكتب بكتب أبي يوسف أيضاً (٣). وقد كان أبو يوسف منكسر الخاطر على ما يبدو من نسبة محمد بن الحسن هذه الكتب إلى نفسه واستقلاله عنه بعد أن أخذ محمد بن الحسن هذه الكتب وزاد عليها وفرّع فروعاً كثيرة. وقد نُقل عن أبي يوسف أنه سئل: "هل سمع محمد منك هذه الكتب؟ فقال: سلوه. فسئل محمد عن ذلك، فقال: ما سمعتها، ولكن أصححها لكم" (٤). وقال في رواية أخرى: "والله ما سمعتها منه، ولكني من أعلم الناس بها، وما سمعت من أبي يوسف إلا الجامع الصغير" (٥). وكلام الإمام محمد هذا يدل على أنه كان على علم ومعرفة بما في هذه الكتب من الآراء والفقه وإن لم يكن سمع هذه الكتب من أبي يوسف كسماع التلميذ من أستاذه. ولكنه سمع منه الجامع الصغير كما قال، ورواه عنه كما هو مذكور في بداية أبواب الجامع الصغير: محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة … ويكون الإمام محمد بهذا قد أوفى أبا يوسف حق الأستاذية. ولعل الإمام محمداً حين يقول: "لا يحل لأحد أن يروي عن كتبنا إلا ما سمع أو يعلم مثل ما علمنا" (٦)، يشير إلى صنيعه نفسه، حيث روى آراء أبي يوسف وإن لم يكن سمعها منه لفظاً سماع التلميذ من أستاذه لأنه كان على علم بها من طرق أخرى. فهو حضر حلقة أبي حنيفة وتتلمذ عليه،


(١) الفهرست، ٢٨٥.
(٢) الحيوان، ١/ ٨٧.
(٣) الإكمال، ٧/ ٦١.
(٤) الجواهر المضية، ١/ ١٥٩.
(٥) تاريخ بغداد، ٢/ ١٨٠.
(٦) الجواهر المضية، ١/ ٥٢٧ - ٥٢٨؛ ومناقب أبي حنيفة للكردري، ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>