للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتلمذ على أبي يوسف من بعده. ثم إن تلاميذ محمد بن الحسن مثل الجوزجاني ومعلى بن منصور قد أخذوا هذه الكتب عن أبي يوسف أيضاً (١). فلا شك أن محمد بن الحسن كان مطلعاً على كتب أبي يوسف أيضاً. ولو كان هناك خطأ في نسبة الأقوال إلى أبي يوسف لبين ذلك أبو يوسف بنفسه في حياته، ولنقله تلاميذه من بعده، وكل ذلك لم يحصل. وقد أجمع الفقهاء الأحناف في الطبقات التالية لأبي يوسف ومحمد على رواية الفقه الحنفي عن طريق كتب محمد، ورجحوها على كتب غيره من تلاميذ أبي حنيفة، واشتهرت تلك الكتب حتى سميت بظاهر الرواية واتخذت أصلاً للمذهب الحنفي مما يدل على صحة نسبة الأقوال الواردة فيه إلى أصحابها وتلقيها بالقبول لدى الفقهاء الأحناف.

والإمام محمد بن الحسن قد تتلمذ على أبي يوسف بعد وفاة أبي حنيفة، فأخذ عنه ما درس على أبي حنيفة وما جاء به أبو يوسف من آراء جديدة أيضاً، ثم أضاف إلى ذلك آراءه الشخصية. وهذا لا يشك فيه من قرأ هذا الكتاب، ودرس الفقه الحنفي على وجه العموم. فإنك لا تكاد تجد صفحة من صفحات الكتاب إلا ويذكر فيه أسماء هؤلاء الأئمة الثلاثة وما اتفقوا عليه أو اختلفوا فيه.

وقد سرى انكسار الخاطر هذا من أبي يوسف إلى بعض تلاميذه أيضاً. فكان بشر بن الوليد الكندي القاضي (ت. ٢٣٨) من تلاميذ أبي يوسف يلوم محمد بن الحسن، وكان الحسن بن أبي مالك (ت. ٢٠٤) من تلاميذ أبي يوسف أيضاً ينهاه عن ذلك ويقول له: "قد وضع محمد هذه المسائل، فضع أنت سؤال مسألة، وقد أغناك الله عن جوابها" (٢).

ويذكر السرخسي أن الإمام محمداً بين أنه أخذ هذه المسائل عن طريق المذاكرة. ولعل المقصود مذاكرة تلك المسائل مع أصحاب أبي حنيفة وأبي يوسف بعد قراءة كتبهما. يدل على ذلك سياق كلام السرخسي حيث يقول:


(١) أخبار أبي حنيفة للصيمري، ١٥٤.
(٢) الجواهر المضية، ١/ ١٦٦؛ ٢/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>