للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويدل على ورعه وقلة طمعه في المال والجاه والمنصب امتناعه عن تولي القضاء لما عرض الخليفة المأمون (ت. ٢١٨) عليه ذلك. وتفصيل القصة كما يلي: "أحضر المأمون موسي بن سليمان ومعلى الرازي، فبدأ بأبي سليمان لسنه وشهرته بالورع، فعرض عليه القضاء. فقال: يا أمير المؤمنين، احفظ حقوق الله في القضاء ولا تول على أمانتك مثلي، فإني والله غير مأمون الغضب، ولا أرضى نفسي لله أن أحكم في عباده. قال: صدقت، وقد أعفيناك. فدعا له بخير. وأقبل على معلى، فقال له مثل ذلك. فقال: لا أصلح. قال: ولِمَ؟ قال: لأني رجل أداين فأبيت مطلوباً وطالباً. قال: نأمر بقضاء دينك وتقاضي ديونك، فمن أعطاك قبلناه ومن لم يعطك عوضناك ما لك عليه. قال: ففي شكوك في الحكم وفي ذلك تلف أموال الناس. قال: يحضر مجلسك أهل الدين إخوانك فما شككت فيه سألتهم عنه، وما صح عندك أمضيته. قال: أنا أرتاد رجلاً أوصي إليه من أربعين سنة، ما أجد من أوصي إليه، فمن أين أجد من يعينني على قضاء حقوق الله الواجبة علي حتى أئتمنه على دينك وديني. فأعفاه" (١).

وكان الجوزجاني مقدراً لما يرويه من كتب محمد بن الحسن وآراء أبي حنيفة. فقد روى أحمد بن عطية قال: حدثنا أبو سليمان الجوزجاني قال: "قال لي محمد بن عبد الله قاضي البصرة: نحن أبصر بالشروط من أهل الكوفة. قلت: الإنصاف بالعلماء أحسن، وإنما وضع هذا أبو حنيفة، فزدتم شيئاً ونقصتم وحسنتم تلك الألفاظ، ولكن هاتوا شروطكم وشروط أهل الكوفة قبل أبي حنيفة. فسكت، وقال: التسليم للحق أولى" (٢).

وقد كان هناك إقبال كبير على فقه الإمام أبي حنيفة، خصوصاً بعد تولي أبي يوسف قضاء القضاة في الدولة العباسية. وكان أبو سليمان الجوزجاني الراوية الصدوق والجامع لعلم أبي حنيفة راوياً لذلك عن أبي


(١) أخبار أبي حنيفة للصيمري، ١/ ١٦١؛ وتاريخ بغداد، ١٣/ ٣٦؛ والمنتظم، ١٠/ ٢٤٦، وسير أعلام النبلاء، ١٠/ ١٩٤ - ١٩٥؛ والجواهر المضية، ٢/ ١٨٦.
(٢) أخبار أبي حنيفة للصيمري، ١/ ٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>