للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأحداث (١). واستدل في مسألة حصلت بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وسكت الصحابة

عليها بأن سكوتهم هذا يدل على صحة ذلك الأمر (٢). فهنا وقع الاستدلال منه بالإجماع السكوتي. وينقل الجصاص عن الشيباني أنه إذا اختلف الصحابة في أمر ثم وقع الإجماع في عهد التابعين على رأي من آراء الصحابة وترك الرأي الآخر تماماً فإنه لا يجوز العمل بالرأي المتروك (٣). كما أفاد مشايخ الحنفية المتقدمون أن الشيباني يقول بحجية الإجماع من أهل كل عصر (٤). وقد استدل الشيباني بالأثر القائل: "ما رآه المؤمنون حسناً فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحاً فهو عند الله قبيح" على كون استحسان المسلمين جميعهم لشيء أو استقباحهم له دليلاً من الأدلة (٥).

وينبه الشيباني على أن الأفعال والتطبيقات المخالفة للإجماع باطلة وأنه لا ينبغي اتباعها. فمثلاً ينبغي اتباع الإمام في صلاة العيد في عدد تكبيرات الزوائد على اختلاف الروايات في ذلك، لكن لا يجوز متابعة الإمام الذي يكبر عدداً لم يقل به أحد من الفقهاء ولم يؤثر عن السابقين (٦). ويبين الشيباني أنه لا يجوز أن يبطل القاضي حكماً حكم به قاض آخر ما لم يكن ذلك الحكم مخالفاً لشيء لا يختلف فيه القضاة (٧). ومفهوم هذا أن حكم القاضي المخالف للإجماع عرضة للإبطال.

ويستعمل الشيباني لفظ الإجماع أحياناً بمعنى اتفاق مجموعة من الأشخاص أو الجماعات على أمر، وليس بمعنى الإجماع السابق. فمثلاً يفهم من السياق في موضع ذكر فيه الإجماع أنه يقصد به رأي الجمهور، لأنه يذكر رأياً آخر في مقابل الإجماع، وهو رأي أهل المدينة. وهي مسألة الأكل أو الشرب ناسياً في نهار رمضان، فبالرغم من وجود الأحاديث


(١) الأصل للشيباني، ٥/ ٨٩ و.
(٢) الحجة للشيباني، ٣/ ٤١٣.
(٣) الفصول للجصاص، ٣/ ٣٣٩.
(٤) تقويم الأدلة للدبوسي، ص ٣١.
(٥) موطأ محمد، ١/ ٦٢٨ - ٦٣٣.
(٦) الأصل للشيباني، ١/ ٧٣ ظ.
(٧) الكافي للحاكم الشهيد، ١/ ٢١٨ و.

<<  <  ج: ص:  >  >>