أن تلك النسخ لكتاب مختصر الأصل لمحمد بن إبراهيم الحنفي (ت. بعد ٧٠٥)، وأن هذا الظن في غير محله. لقد ألف كثير من فقهاء الأحناف المتقدمين شروحاً على الأصل. لكن هذه الشروح تختلف عن الشروح المتأخرة في أنها لا تلتزم بلفظ المتن الذي تشرحه، ولكنها تكون متداخلة ومتشابكة معه، وتنقله أحياناً كثيرة بمعناه دون لفظه. وأهم الأعمال التي عُملت على الأصل هو الكافي للحاكم الشهيد (ت. ٣٣٤) والذي يعتبر اختصاراً للأصل بشكل كبير. فإن الحاكم الشهيد قد اختصر الأصل في كتابه هذا في نصف حجمه تقريباً والتزم لفظه في الغالب وقابل روايات الأصل المختلفة وقام بترجيح بعضها على بعض. من ناحية أخرى فإن القسم المفقود من الأصل موجود في الكافي بشكل مختصر. والمبسوط لشمس الأئمة السرخسي (ت. ٤٨٣) الذي شرح الكافي من المصادر الأساسية التي تنقل لفظ الأصل أحياناً وتحيل عليه وتفسر الفقه الحنفي المتقدم بتفكير فقهي وأصولي متطور. وقد استفدنا غاية الاستفادة من الكافي والمبسوط ومختصر الأصل في تحقيق الأصل وتصحيح مخطوطاته وإكمال النقص الموجود فيها. يوجد في نسخ الأصل التي بأيدينا اليوم سبع وخمسون كتاباً فقهياً، بينما يوجد في الكافي الذي يعتبر اختصاراً له ثمانية كتب فقهية أخرى لا توجد في الأصل. لقد قام بعض الباحثين في عصرنا وعلى رأسهم أبو الوفا الأفغاني بنشر ما يقرب من ربع الأصل. ويوجد في هذه الطبعات قراءات خاطئة في بعض المواضع مما لا يخلو منه أي تحقيق. وأقدم مخطوطات الأصل التي وصلت ليومنا يرجع تاريخ نسخها إلى سنوات ٦٣٧ - ٦٣٩. والنسخ الأقدم يحتمل أن تكون ضاعت في الاستيلاء المغولي على الجغرافيا التي كان المذهب الحنفي منتشراً فيها بشكل كبير.
يمكن القول بأن مسائل الأصل مبنية في مجملها على الأدلة الشرعية الأربعة المعروفة "الكتاب والسنَّة والإجماع والقياس". تدل على ذلك عبارات الشيباني ومنهجه الذي اتبعه في اجتهاده لحل المسائل الفقهية. فالشيباني يعتبر القرآن الكريم الدليل الأول ويستدل بالآيات الكريمة حين يقتضي الأمر ذلك. والدليل الثاني عند الشيباني هو السنَّة. فهو يستدل بأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله