الأحنف عنه (تفقهوا قبل أن تسوَّدوا) بضم المثناة الفوقية وتشديد الواو أي تصيروا سادة من ساد قومه يسودهم سيادة. قال أبو عبيدة أي تفقهوا وأنتم صغار قبل أن تصيروا سادة فتمنعكم الأنفة عن الأخذ عمن هو دونكم فتبقوا جهالاً، ولا وجه لمن خصّه بالتزوّج لأن السيادة أعم لأنها قد تكون به وبغيره من الأشياء الشاغلة، ولا يخفى تكلف من جعله من السواد في اللحية فيكون أمر الشباب بالتفقه قبل أن تسودّ لحيته، والكهل قبل أن تتحوّل لحيته من السواد إلى الشيب، وزاد الكشميهني في روايته (قال أبو عبد الله) أي المؤلف وفي نسخة وقال محمد بن إسماعيل: (وبعد أن تسوَّدوا) وإنما عقب المؤلف السابق بهذا اللاحق ليبين أن لا
مفهوم له خوف أن يفهم منه أن السيادة مانعة من التفقه، وإنما أراد عمر رضي الله عنه أنه قد يكون سببًا للمنع لأن الرئيس قد يمنعه الكبر والاحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين. (وقد تعلم أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كبر سنّهم) أورده تأكيدًا للسابق، وليس قول عمر رضي الله عنه هنا من تمام الترجمة، نعم قال البرماوي وغير تبعًا للكرماني إلا أن يقال الاغتباط في الحكمة على القضاء لا يكون إلا قبل كون الغابط قاضيًا. قالوا: ويؤوّل حينئذ بمصدر، والتقدير باب الاغتباط وقول عمر انتهى. وتعقب بأنه كيف يؤوّل الماضي بالمصدر وتأويل الفعل بالمصدر لا يكون إلا بوجود أن المصدرية.
وبه قال:(حدّثنا الحميدي) أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى المكّي، المتوفى سنة تسع عشرة ومائتين (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية أبوي ذر والوقت حدّثنا (إسماعيل بن أبي خالد على غير ما) أي على غير اللفظ الذي (حدّثناه الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المسوق روايته عند المؤلف في التوحيد، والحاصل أن ابن عيينة روى الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد وساق لفظه هنا، وعن الزهري وساق لفظه في التوحيد، وسيأتي ما بين الروايتين من التخالف في اللفظ إن شاء الله تعالى. (قال) أي إسماعيل بن أبي خالد (سمعت قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي (قال: سمعت عبد الله بن مسعود) رضي الله عنه أي كلامه حال كونه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(لا حسد) جائز في شيء (إلا في) شأن (اثنتين) بتاء التأنيث أي خصلتين، وللمؤلف في الاعتصام اثنين بغير تاء أي في شيئين (رجل) بالرفع بتقدير إحدى الاثنتين خصلة رجل، فلما حذف المضاف اكتسب المضاف إليه إعرابه والجر بدل من اثنين، وأما على رواية تاء التأنيث فبدل أيضًا على تقدير حذف المضاف أي خصلة رجل لأن الاثنتين معناه كما مرّ خصلتان والنصب بتقدير أعني وهو رواية ابن ماجة (آتاه الله) بمدّ الهمزة كاللاحقة أي أعطاه (مالاً فسلّط) بضم السين مع حذف الهاء وهي لأبي ذر وعبر بسلط ليدل على قهر النفس المجبولة على الشح، ولغير أبي ذر فسلطه (على هلكته) بفتح اللام والكاف أي إهلاكه بأن أفناه كله (في الحق) لا في التبذير ووجوه المكاره. (ورجل) بالحركات الثلاث كما مرّ (آتاه الله الحكمة) القرآن أو كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح (فهو يقضي بها) بين الناس (ويعلمها) لهم وأطلق الحسد وأراد به الغبطة وحينئذ فهو من باب إطلاق المسبب على السبب، ويؤيده ما عند المؤلف في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه باللفظ فقال: ليتني أُوتيت مثل ما أُوتي فلان فعملت بمثل ما يعمل، فلم يتمنّ السلب بل أن يكون
مثله أو الحسد على حقيقته، وخصّ منه المستثنى لإباحته كما خصّ نوع من الكذب بالرخصة، وإن كانت جملته محظورة فالمعنى هنا لا إباحة في شيء من الحسد إلا فيما كان هذا سبيله أي لا حسد محمود إلا في هذين، فالاستثناء على الأوّل من غير الجنس، وعلى الثاني منه كذا قرره الزركشي والبرماوي والكرماني والعيني. وتعقبه البدر الدماميني بأن الاستثناء متصل على الأوّل قطعًا، وأمّا على الثاني فإنه يلزم على إباحة الحسد في الاثنتين كما صرح به، والحسد الحقيقي وهو كما تقرر تمنّي زوال نعمة المحسود عنه وصيرورتها إلى الحاسد لا يباح أصلاً، فكيف يباح تمنّي زوال نعمة الله