المنكر أو النكير أو غيرهما. وفي حديث البراء بن عازب، عند أبي داود: ويأتيه الملكان يجلسانه. الحديث، وفيه: ثم يقيض له أعمى أبكم أصم، بيده مرزبة من حديد، لو ضُرب بها جبل لصار ترابًا، قال: فيضربه بها ضربة ... الحديث.
وفي حديث أنس بن مالك، عند أبي داود، أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل نخلاً لبني النجار، فسمع صوتًا ففزع ... الحديث، وفيه: فيقول له: ما كنت تعبد؟ فيقول: لا أدري! فيقول: لا دريت ولا تليت. فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه، فيصيح فالحديث الأوّل صريح أن الضارب غير منكر ونكير، والثاني أنه الملك السائل له، وهو إما المنكر أو النكير.
(ضربه بين أذنيه) أي أذني الميت (فيصيح صيحة يسمعها من يليه) أي: يلي الميت (إلا الثقلين) الجن والإنس، سميا بذلك لثقلهما على الأرض. والحكمة في عدم سماعهما الابتلاء، فلو سمعا لكان الإيمان منهما ضروريًّا، ولا عرضوا عن التدبير والصنائع، ونحوهما مما يتوقف عليه بقاؤهما،
ويدخل في قوله: من يليه، الملائكة فقط، لأن: من، للعاقل. وقيل: يدخل غيرهم أيضًا تغليبًا وهو أظهر.
فإن قلت: لم منعت الجن سماع هذه الصيحة دون سماع كلام الميت إذا حمل وقال: قدموني قدموني؟.
أجيب: بأن كلام الميت إذ ذاك في حكم الدنيا، وهو اعتبار لسامعه وعظة. فأسمعه الله الجن لما فيهم من قوة يثبتون بها عند سماعه، ولا يصعقون بخلاف الإنسان الذي يصعق لو سمعه، وصيحة الميت في القبر عقوبة وجزاء، فدخلت في حكم الآخرة.
وفي الحديث جواز المشي بين القبور بالنعال، لأنه عليه الصلاة والسلام قاله وأقره، فلو كان مكروهًا لبينه، لكن يعكر عليه احتمال أن يكون المراد بسماعه إياها بعد أن يجاوزوا المقبرة، وحينئذٍ فلا دلالة فيه على الجواز، ويدل على الكراهة حديث بشير بن الخصاصية عند أبي داود والنسائي، وصححه الحاكم: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، رأى رجلاً يمشي بين القبور عليه نعلان سبتيان، فقال: يا صاحب السبتيين، ألق نعليك.
وكذا يكره الجلوس على القبر، والاستناد إليه، والوطء عليه توقير للميت إلا لحاجة. كأن لا يصل إليه إلا بوطئه، فلا كراهة. وأما حديث مسلم: لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ففسره رواية أبي هريرة بالجلوس: للبول والغائط. ورواه ابن وهب أيضًا في مسنده بلفظ: من جلس على قبر يبول أو يتغوط، وبقية ما استنبط من حديث الباب يأتي إن شاء الله تعالى في باب عذاب القبر.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة وأخرجه مسلم، والنسائي، والترمذي، وأبو داود.
٦٩ - باب مَنْ أَحَبَّ الدَّفْنَ فِي الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ أَوْ نَحْوِهَا
(باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة) أي: في بيت المقدس، طلبًا للقرب من الأنبياء الذين دفنوا به، تيمنًا بجوارهم، وتعرضًا للرحمة النازلة عليهم، اقتداء بموسى عليه السلام، أو ليقرب عليه المشي إلى المحشر، وتسقط عنه المشقّة الحاصلة لمن بعد عنه. (أو نحوها) بالنصب عطفًا على الدفن المنصوب على المفعولية: لأحب، أي: أحب الدفن في نحو بيت المقدس. وهو بقية ما تشد إليه الرحال من الحرمين الشريفين، رزقنا الله الدفن بأحدهما، مع الرضا عنا، إنه الجواد الكريم.
١٣٣٩ - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى
مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ: أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ. قَالَ: فَالآنَ. فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ، لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمود) هو: ابن غيلان بفتح الغين المعجمة قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (قال: أخبرنا معمر) بسكون العين وفتح الميمين ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس بن كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه. قال):
(أرسل ملك الموت) بضم الهمزة، مبنيًّا للمفعول، وملك رفع نائب عن الفاعل، أي: أرسل الله ملك الموت (إلى موسى، عليهما السلام) في صورة آدمي اختبارًا وابتلاء كابتلاء الخليل بالأمر بذبح ولده (فلما جاءه) ظنه آدميًّا حقيقة، تسور عليه منزله بغير إذنه ليوقع به مكروهًا، فلما تصوّر ذلك، صلوات الله وسلامه عليه، (صكه) بالصاد المهملة أي: لطمه على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون الصورة الملكية، ففقأها كما صرح به مسلم في روايته ويدل عليه قوله الآتي هنا: فرد الله عز وجل عليه عينه، ويحتمل أن موسى عليه الصلاة والسلام علم أنه ملك الموت، وأنه دافع عن نفسه الموت باللطمة المذكورة، والأول أولى، ويؤيده أنه جاء إلى قبضه