ولذلك كانت تنزل نجوم القرآن وسوره وآياته حين كان بمكة أقصر منها وهو بالمدينة. ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه تابعيان والتحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلف في بدء الخلق ومسلم في الفضائل وبه قال.
(حدّثنا) ولأبي ذر وحدّثنا بواو العطف (يحيى) أبو زكريا (بن بكير) بضم الموحدة تصغير بكر القرشي المخزومي المصري المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائتين، ونسبه المؤلف لجده لشهرته به واسم أبيه عبد الله، (قال: حدّثنا الليث) بالمثلثة ابن سعد بن عبد الرحمن الفهمي عالم أهل مصر من تابعي التابعين، قال أبو نعيم: أدرك نيفًا وخمسين من التابعين القلقشندي المولود سنة ثلاث أو أربع وتسعين، المتوفى في شعبان سنة خمس وسبعين ومائة، وكان حنفي المذهب فيما قاله ابن خلكان، لكن المشهور أنه مجتهد. وقد روينا عن الشافعي أنه قال: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، وفي رواية عنه ضيعه قومه. وقال يحيى بن بكير: الليث أفقه من مالك ولكن كانت الحظوة لمالك، (عن عقيل) بضم العين المهملة وفتح القاف مصغرًا ابن خالد بن عقيل بفتح العين، الأيليّ بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية، القرشيّ الأمويّ المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة، (عن ابن شهاب) أبي بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المدنيّ تابعيّ صغير، ونسبه المؤلف كغيره إلى جدّه الأعلى لشهرته به، (عن عروة بن الزبير) بالتصغير (عن عائشة أم الؤمنين، ﵂ (أنها قالت أول ما بدئ به) بضم الموحدة وكسر الدال (رسول الله ﷺ من الوحي) إليه (الرؤيا الصالحة في النوم)، وهذا الحديث يحتمل أن يكون من مراسيل الصحابة، فإن عائشة لم تدرك هذه القصة لكن الظاهر أنها سمعت ذلك منه ﷺ لقولها قالها قال: فأخذني فغطني، فيكون قولها أول ما بدئ به حكاية ما تلفظ به النبي ﷺ، وحينئذ فلا يكون من المراسيل. وقوله: من الوحي أي من أقسام الوحي، فمن للتبعيض. وقال أبو عبد الله القزاز: ليست الرؤيا من الوحي
ومن لبيان الجنس. وقال الأبّي نعم هي كالوحي في الصحة إذ لا مدخل للشيطان فيها. وفي رواية مسلم كالمصنف في رواية معمر ويونس الصادقة وهي التي ليست فيها ضغث، وذكر النوم بعد الرؤيا المخصوصة به لزيادة الإيضاح والبيان، أو لدفع وهم من يتوهم أن الرؤيا تطلق على رؤية العين فهو ْصفة موضحة أو لأن غيرها يسمى حلمًا، أو تخصيص دون السيئة والكاذبة المسماة بأضغاث الأحلام، وأهل المعاني يسمونها صفة فارقة. وكانت مدة الرؤيا ستة أشهر فيما حكاه البيهقي.
وحينئذ فيكون ابتداء النبوّة بالرؤيا حصل في شهر ربيع وهو شهر مولده. واحترز بقوله من الوحي عما رآه من دلائل نبوّته من غير وحي كتسليم الحجر عليه كما في مسلم، وأوّله مطلقًا ما سمعه من بحيرا الراهب كما في الترمذي بسند صحيح. (فكان) بالفاء للأصيلي ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر وفي نسخة للأصيلي، وكان أي النبي ﷺ(لا يرى رؤيا) بلا تنوين (إلا جاءث مثل فلق الصبح) كرؤياه دخول المسجد الحرام، ومثل نصب بمصدر محذوف، أي إلاّ جاءت مجيئًا مثل فلق الصبح، والمعنى أنها شبيهة له في الضياء والوضوح أو التقدير مشبهة ضياء الصبح، فيكون النصب على الحال، وعبر بفلق الصبح لأن شمس النبوّة قد كانت مبادئ أنوارها الرؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتم نورها، والفلق: الصبح. لكنه لما كان مستعملاً في هذا المعنى وغيره أضيف إليه للتخصيص، والبيان إضافة العام إلى الخاص. وعن أمالي الرافعي حكاية خلاف أنه أوحي إليه ﷺ شيء من القرآن في النوم أولاً. وقال: الأشبه أن القرآن نزل كله يقظة، ووقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدولابي ما يدل على أن الذي كان يراه ﵊ هو جبريل. ولفظه أنه قال لخديجة بعد أن أقرأه جبريل: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك﴾ أرأيتك الذي كنت أحدثك أني رأيته في المنام هو جبريل استعلن، وإنما ابتدئ ﵊ بالرؤيا لئلا يفجأه الملك ويأتيه بصريح النبوّة بغتة فلا تحتمل القوى البشرية، فبدئ بأوائل خصال النبوة. (ثم حبب إليه الخلاء) بالمد