ثابت عند ابن أبي الدنيا قصص في ذلك إلاّ أنه ليس فيها ما يشبه قصة أبي هريرة إلا قصة معاذ وهو محمول على التعدّد.
وموضع الترجمة قوله: فخليت سبيله لأن أبا هريرة ترك الرجل الذي حثا الطعام لما شكا
الحاجة فأخبر بذلك رسول الله ﷺ فأجازه. قال الزركشي كغيره: وفيه نظر لأن أبا هريرة لم يكن وكيلاً بالعطاء بل بالحفظ خاصة.
قال في المصابيح: النظر ساقط لأن المقصود انطباق الترجمة على الحديث وهي كذلك لأن أبا هريرة وإن لم يكن وكيلاً في الإعطاء فهو وكيل في الجملة ضرورة أنه وكيل بحفظ الزكاة وقد ترك مما وكل بحفظه شيئًا، وأجاز ﵊ فعله فقد طابقته الترجمة قطعًا نعم في أخذ إقراض الوكيل إلى أجل مسمى من هذا الحديث نظر، وقد قرر بعضهم وجه الأخذ بأن أبا هريرة لما ترك السارق الذي حثا من الطعام كان ذلك الأجل ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والضعف.
١١ - باب إِذَا بَاعَ الْوَكِيلُ شَيْئًا فَاسِدًا فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ
هذا (باب) بالتنوين (إذا باع الوكيل شيئًا) مما وكل فيه بيعًا (فاسدًا فبيعه مردود) يعني يُردّ.
٢٣١٢ - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ - عَنْ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ﵁ قَالَ: "جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَ بِلَالٌ: كَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ رَدِيٌّ، فَبِعْتُ مِنْهُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ لِيطْعِمَ النَّبِيَّ ﷺ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: أَوَّهْ أَوَّهْ، عَيْنُ الرِّبَا، عَيْنُ الرِّبَا، لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ فَبِعِ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِ بِهِ".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه كما جزم به أبو نعيم أو ابن منصور كما جزم به أبو علي الجياني لأن مسلمًا أخرج هذا الحديث بعينه عن إسحاق بن منصور، لكن قال في الفتح وليس ذلك بلازم قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظي قال: (حدّثنا معاوية هو ابن سلام) بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي كثير أنه (قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر) العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وبالذال المعجمة (أنه سمع أبا سعيد الخدري ﵁ قال جاء بلال) المؤذن (إلى النبي ﷺ بتمر برنيّ) بفتح الموحدة وسكون الراء وكسر النون وتشديد التحتية. قال في الصحاح: ضرب من التمر. قال الراجز:
المطعمان اللحم بالعشج … وبالغداة فلق البرنجّ
فأبدل من الياء جيمًا، وزاد في المحكم أنه أصفر مدوّر وهو أجود التمر، وفي مسند أحمد مرفوعًا: خير تمركم البرني يذهب الداء (فقال له النبي ﷺ):
(من أين هذا) التمر البرني (قال بلال: كان عندنا) وللحموي والمستملي: عندي (تمر رديّ) بتشديد المثناة التحتية في الفرع وأصله وفي غيره رديء بالهمزة على وزن فعيل على الأصل من ردؤ الشيء يردؤ رداءة فهو رديء أي فاسد وأردأته أفسدته قاله الجوهري فخفف بقلب الهمزة ياء
لانكسار ما قبلها وأدغمت الياء في الياء فصار رديّ بتشديد الياء كما مرّ (فبعت منه صاعين بصاع ليطعم) بلال (النبي ﷺ) كذا في الفرع وأصله ليطعم بضم المثناة التحتية وكسر العين، وفي بعض الأصول لنطعم بالنون بدل التحتية والنبي نصب على الروايتين على المفعولية. قال العيني كابن حجر: وهذه رواية أبي ذر وغيره ليطعم بفتح التحتية والعين من طعم يطعم والنبي رفع به، وقول البرماوي كالكرماني: وفي بعضها المطعم بالميم أي مفتوحة كالعين والنبي خفض بالإضافة لم أقف عليه في شيء من نسخ البخاري. نعم هو في صحيح مسلم كذلك. (فقال النبي ﷺ عند ذلك) القول الصادر من بلال (أوّه أوّه) هذا (عين الربا) هذا (عين الربا لا تفعل) بتكرير كلٍّ من عين الربا وأوّه مرتين وأوّه بفتح الهمزة وتشديد الواو وسكون الهاء بمعنى التحزّن. قال السفاقسي: وإنما تأوّه ليكون أبلغ في الزجر وقاله، إما للتألم من هذا الفعل وإما من سوء الفهم زاد مسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد في نحو هذه القصة فردّوه، ومعلوم أن بيع الربا مما يجب ردّه (ولكن إذا أردت أن تشتري) التمر الجيد (فبع التمر) الرديء (ببيع آخر ثم اشتر) الجيد (به) أي بثمن الرديء حتى لا تقع في الربا، ولغير أبي ذر: ثم اشتره أي التمر الجيد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في البيوع وكذا النسائي.
١٢ - باب الْوَكَالَةِ فِي الْوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يُطْعِمَ صَدِيقًا لَهُ وَيَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ
(باب الوكالة في الوقف ونفقته) أي الوكيل (وأن يطعم صديقًا له ويأكل بالمعروف) أي وإطعام الوكيل صديقه وأكله بما يتعارفه الوكلاء فيه لأنه حبس نفسه لتصرف موكله والقيام بأمره قياسًا على وليّ اليتيم.