الرجل (هذا) أي الرجل الذي (ننصره) حال كونه (مظلومًا فكيف ننصره) حال كونه (ظالمًا قال) ﵊ (تأخذ فوق يديه) بالتثنية وهو كناية عن منعه عن الظلم بالفعل إن لم يمتنع بالقول، وعنى بالفوقية الإشارة إلى الأخذ بالاستعلاء والقوّة وقد ترجم المؤلّف بلفظ الإعانة، وساق الحديث بلفظ النصر فأشار إلى ما ورد في بعض طرقه وذلك فيما رواه حديج بن معاوية وهو بالمهملة وآخره جيم مصغرًا عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا "أعن أخاك ظالمًا" الحديث. أخرجه ابن عدي وأبو نعيم في المستخرج من الوجه الذي أخرجه منه المؤلّف.
قال ابن بطال: النصر عند العرب الإعانة، وقد فسر ﷺ أن نصر الظالم منعه من الظلم لأنك إذا تركته على ظلمه أدّاه ذلك إلى أن يقتص منه فمنعك له من وجوب القصاص نصرة له، وهذا من باب الحكم للشيء وتسميته بما يؤول إليه وهو من عجيب الفصاحة ووجيز البلاغة، وقد ذكر مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر سببًا لحديث الباب يستفاد منه زمن وقوعه ولفظه: اقتتل رجل من المهاجرين وغلام من الأنصار فنادى المهاجريّ يا للمهاجرين ونادى الأنصاري يا للأنصار فخرج رسول الله ﷺ فقال: "ما هذا أدعوى الجاهلية" قالوا: لا إن غلامين اقتتلا فكسع أحدهما الآخر فقال: "لا بأس ولينصر الرجل أخاه ظالمًا أو مظلومًا" الحديث.
وذكر المفضل الضبي في كتابه الفاخر: إن أول من قال انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم وأراد بذلك ظاهره وهو ما اعتادوه من حمية الجاهلية لا على ما فسره النبي وفي ذلك يقول شاعرهم:
إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم … على القوم لم أنصر أخي حين يظلم
قاله الحافظ ابن حجر.
٥ - باب نَصْرِ الْمَظْلُومِ
(باب نصر المظلوم).
٢٤٤٥ - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ سُوَيْدٍ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ﵄ قَالَ: "أَمَرَنَا النَّبِيُّ ﷺ بِسَبْعٍ، وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ. فَذَكَرَ عِيَادَةَ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعَ الْجَنَائِزِ، وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ، وَرَدَّ السَّلَامِ، وَنَصْرَ الْمَظْلُومِ، وَإِجَابَةَ الدَّاعِي، وَإِبْرَارَ الْمُقْسِمِ".
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة وكسر عين سعيد العامري الحرشي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث بن سليم) بضم السين وفتح اللام مصغرًا والأشعث بالمعجمة والمثلثة أبي الشعثاء الكوفي (قال: سمعت معاوية بن سويد) بضم السين وفتح الواو ابن مقرّن المزني الكوفي (قال: سمعت البراء بن عازب ﵄ قال: أمرنا النبي ﷺ ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض) وهي سنة إذا كان له متعهد وإلاّ فواجبة (واتباع الجنائز) فرض على الكفاية (وتشميت العاطس) إذا حمد الله سنة (ورد السلام) فرض كفاية (ونصر المظلوم) مسلمًا كان أو ذميًّا واجب على الكفاية ويتعين على السلطان وقد يكون بالقول أو بالفعل ويكفّه عن الظلم.
وعن ابن مسعود ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: "أمر الله بعبد من عباده أن يضرب في قبره مائة جلدة فلم يزل يسأل الله تعالى ويدعوه حتى صارت واحدة فامتلأ قبره عليه نارًا فلما ارتفع عنه أفاق فقال علام جلدتموني؟ قالوا: إنك صلّيت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره". رواه الطحاوي إن كان هذا حال من لم ينصره فكيف من ظلمه.
(إجابة الداعي) سُنّة إلا في وليمة النكاح، فعند الشافعية والحنابلة أنها فرض عين إذا كان الداعي مسلمًا وأن تكون في اليوم الأول وأن لا يكون هناك منكر كشرب خمر. (وإبرار المقسم) بميم مضمومة وكسر السين سُنّة أي الحالف إذا أقسم عليه في مباح يستطيع فعله ولأبي ذر عن الكشميهني وإبرار القسم.
وهذا الحديث قد سبق في الجنائز تامًّا وساقه هنا مختصرًا لم يذكر السبع المنهي عنها والمراد منه هنا قوله: "ونصر المظلوم".
٢٤٤٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا. وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله بن أبي بردة (عن) جده (أبي بردة) الحرث أو عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (﵁ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(المؤمن للمؤمن) التعريف فيه للجنس والمراد بعض المؤمن للبعض (كالبنيان يشد بعضه