النون ياء نسبة مشدّدة كساء غليظ لا علم له، ويجوز كسر الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة وتخفيف المثناة. قال ابن قرقول: نسبة إلى منبج بفتح الميم وكسر الموحدة موضع بالشام، وقيل نسبة إلى موضع يقال له أنبجان. وفي هذه قال ثعلب: يقال كساء أنبجاني وهذا هو الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث اهـ.
(فإنها) أي الخميصة (ألهتني) من لهى بالكسر لا من لها لهوًا إذا لعب أي شغلتني (آنفًا) أي قريبًا (عن صلاتي) وعند مالك في الموطأ. فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني، وفي التعليق الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا فأخاف أن يفتنني فيحمل قوله: ألهتني على قوله كاد فيكون الإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقّق وقوع الإلهاء، ولا يقال أن المعنى شغلتني عن كمال الحضور في صلاتي لأنّا نقول قوله في التعليق الآتي فأخاف أن يفتتي يدلّ على نفي وقوع ذلك، وقد يقال أن له عليه الصلاة والسلام حالتين حالة بشرية وحالة يختصّ بها خارجة عن ذلك، فبالنظر إلى الحالة البشرية قال: ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل قال: أخاف ولا يلزم من ذلك الوقوع ونزع الخميصة ليستنّ به في ترك كل شاغل، وليس المراد أن أبا جهم يصلّي في الخميصة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ليبعث إلى غيره به، يكرهه لنفسه فهو كإهداء الحلّة لعمر رضي الله عنه مع تحريم لباسها عليه لينتفع بها ببيع أو غيره.
واستنبط من الحديث الحثّ على حضور القلب في الصلاة وترك ما يؤدّي إلى شغله، وقد شهد القرآن بالفلاح للمصلّين الخاشعين والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح فالمصلّي يناجي ربّه فعظّم في نفسك قدر مناجاته وانظر مَن تناجي وكيف تناجي وبماذا تناجي فاعلم واعمل تسلم.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدنيين، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والعنعنة.
(وقال هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها مما رواه مسلم وغيره بالمعنى. قالت:
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كنت أنظر إلى علمها) أي الخميصة (وأنا في الصلاة) جملة حالية (فأخاف أن تفتنني) بفتح المثناة الفوقية وكسر الثانية وبالنونين من باب ضرب يضرب وفي رواية يفتنني بفتح المثناة التحتية في أوّله بدل الفوقية.
١٥ - باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ
هذا (باب) بالتنوين (إن صلّى) الشخص حال كونه (في ثوب مصلب) بفتح اللام المشدّدة أي فيه صلبان منقوشة أو منسوجة (أو) في ثوب ذي (تصاوير هل تفسد صلاته) أم لا (وما ينهى عن ذلك) ولابن عساكر في نسخة، وأبي الوقت والأصيلي وما ينهى عنه بالضمير، ولأبي ذر وما ينهى من ذلك بدل عن.
٣٧٤ - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ: "كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي». [الحديث ٣٧٤ - طرفه في: ٥٩٥٩].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بفتح العين وإسكان الميم (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك (قال):
(كان قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء ستر رقيق من صور ذو ألوان أو رقم ونقوش (لعائشة) رضي الله عنها (سترت به جانب بيتها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لها (أميطي) أمر من أماط يميط أي أزيلي (عنّا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاوير) بغير ضمير والهاء في فإنه ضمير الشأن، وفي رواية تصاويره بإضافته إلى الضمير فضمير أنه للثوب (تعرض) بفتح المثناة الفوقية وكسر الراء أي تلوح لي (في صلاتي) ولم يعد الصلاة ولم يقطعها نعم تكره الصلاة حينئذ لما فيه من سبب اشتغال القلب المفوّت للخشوع، ووجه إدخال حديث القرام في الترجمة لأنه إذا نهى عنه في التجمّل كان النهي عن لباسه في الصلاة بطريق الأولى، ويلحق المصلب بالمصوّر لاشتراكهما في كون كلٍّ منهما قد عبد من دون الله، وفي حديث عائشة عند المؤلّف في اللباس قالت: لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلاّ نقضه، وأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإماطة في حديث الباب يستلزم النهي عن الاستعمال، واستنبط منه الشافعية كراهة الصور مطلقًا، واستثنى الحنفية من ذلك ما يبسط، وبه قال المالكية وأحمد في رواية.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون وفيه