بضم أوله وكسر الجيم وتشديد النون من أجن الشيء إذا ستره. وذكرها الخطابي في شرحه للبخاري كرواية الحميدي (وتعفو أثره) بفتح الهمزة واالمثلثة وتعفو نصب عطفًا على تخفي وكلاهما مسند إلى ضمير الجبة وعفا يستعمل لازمًا ومتعديًا تقول: عفت الديار إذا درست وعفاها الريح إذا طمسها ودرست وهو في الحديث متعد أي تمحو أثر مشيه لسبوغها. يعني: أن الصدقة تستر خطايا المتصدق كما يستر الثوب الذي يجر على الأرض أثر مشي لابسه بمرور الذيل عليه فضرب المثل بدرع سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه. والمراد أن الجواد إذا همّ بالصدقة انفسح لها صدره وطابت بها نفسه فتوسعت بالإنفاق. (وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقت) بكسر الزاي أي التصقت (كل حلقة) بسكون اللام (مكانها فهو يوسعها ولا تتسع) ولأبي الوقت: فلا تتسع بالفاء بدل الواو وضرب المثل برجل أراد أن يلبس درعًا يستجن به فحالت يداه بينها وبين أن تمر على سائر جسده فاجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته. والمعنى: أن البخيل إذا حدّث نفسه بالصدقة شحت نفسه وضاق صدره وانقبضت يداه.
(تابعه) أي تابع ابن طاوس (الحسن بن مسلم) هو ابن يناق في روايته (عن طاوس في الجبتين) بالموحدة وهذه المتابعة أخرجها المؤلّف في اللباس في باب جيب القميص. (وقال حنظلة) بن أبي سفيان في روايته (عن طاوس جنتان) بالنون بدل الموحدة وهذا ذكره المؤلّف أيضًا في اللباس معلقًا، ووصله الإسماعيلي من طريق إسحاق الأزرقي عن حنظلة (وقال: الليث) بن سعد: (حدّثني) بالإفراد (جعفر) هو ابن ربيعة (عن ابن هرمز) عبد الرحمن (سمعت أبا هريرة ﵁ عن النبي ﷺ):
(جنتان) بالنون أيضًا ورجحت هذه الرواية على السابقة لقوله من حديد والجنة في الأصل الحصن وسميت بها الدرع لأنها تجن صاحبها أي تحصنه.
٢٩ - باب صَدَقَةِ الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ -إِلَى قَوْلِهِ- ﴿غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾
(باب صدقة الكسب والتجارة لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أي من التجارة الحلال كما أخرجه الطبراني وابن أبي حاتم عن مجاهد ﴿ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ [البقرة: ٢٦٧] أي ومن طيبات ما أخرجنا لكم من الحبوب والثمار والمعادن فحذف المضاف لتقدم ذكره (إلى قوله غني حميد) أي غني عن إنفاقكم وإنما يأمركم به لانفاعكم وسقط في
رواية غير أو ذر: ﴿ومما أخرجنا لكم من الأرض﴾ ولم يذكر فى هذا الباب حديثًا على عادته فيما لم يجد على شرطه والله أعلم.
٣٠ - باب عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ
(باب) بالتنوين (على كل مسلم صدقة فمن لم يجد) ما يتصدق به (فليعمل بالمعروف).
١٤٤٥ - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. فَقَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يَعْمَلُ بِيَدِهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ؟ قَالَ: يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ. قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ. قَالَ: فَلْيَعْمَلْ بِالْمَعْرُوفِ، وَلْيُمْسِكْ عَنِ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا لَهُ صَدَقَةٌ».
[الحديث ١٤٤٥ - طرفه في: ٦٠٢٢].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) القصاب قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن أبيه) أبي بردة عامر (عن جده) جد سعيد أبي موسى الأشعري ﵁ (عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(على كل مسلم صدقة) أي على سبيل الاستحباب المتأكد ولا حق في المال سوى الزكاة إلا على سبيل الندب ومكارم الأخلاق كما قاله الجمهور (فقالوا يا نبي الله فمن لم يجد) ما يتصدق به (قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق قالوا: فإن لم يجد قال: يعين ذا الحاجة الملهوف) بالنصب صفة لذا الحاجة المنصوب على المفعولية والملهوف شامل للمظلوم والعاجز (قالوا: فإن لم يجد) أي فإن لم يقدر (قال: فليعمل بالمعروف). وعند المؤلّف في الأدب من وجه آخر عن شعبة فليأمر بالخير أو بالمعروف. وزاد أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة: وينهى عن المنكر (وليمسك عن الشر فإنها) بتأنيث الضمير باعتبار الخصلة التي هي الإمساك (له) أي للممسك (صدقة) والحاصل أن الصدقة تكون بمال موجود أو بمقدور التحصيل أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة أو ترك وهو الإمساك عن الشر، لكن قال ابن المنير: حصول ذلك للممسك إنما يكون مع نيّة القربة به وفيه تنبيه
على أن الترك فعل، ولذا جعل الإمساك والكف صدقة ولا خلاف أن الصدقة فعل فقد صدق على الترك أنه فعل.
ورواة