بطاعتي أذكركم بمغفرتي فأجمله حتى يدخل الكل فيه. وقال ابن عباس فيما ذكره السفاقسي: ما من عبد يذكر الله تعالى إلا ذكره الله تعالى لا يذكره مؤمن إلا ذكره برحمته، ولا يذكره كافر إلا ذكره بعذابه، وقيل المراد ذكره باللسان وذكره بالقلب عندما يهم العبد بالسيئة فيذكر مقام ربه. وقال قوم: إن هذا الذكر أفضل وليس كذلك بل ذكره بلسانه، وقوله لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه أعظم من ذكره بالقلب دون اللسان.
وذكر البدر الدماميني أنه سمع شيخه ولي الدين بن خلدون يذكر أنه كان بمجلس شيخه ابن عبد السلام شارح ابن الحاجب الفرعي وهو يتكلم على آية وقع فيها الأمر بذكر الله ورجح أن يكون المراد بالذكر اللساني لا القلبي، فقال له الشريف التلمساني: قد علم أن الذكر ضد النسيان وتقرر في محله أن الضد إذا تعلق بمحل وجب تعلق ذلك الضد الآخر بعين ذلك المحل ولا نزاع في أن النسيان محله القلب فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة، فقال له ابن عبد السلام على الفور: يمكن أن يعارض هذا بمثله فيقال قد علم أن الذكر ضد الصمت ومحل الصمت اللسان، فليكن الذكر كذلك عملاً بهذه القاعدة انتهى.
وقوله تعالى:({واتل عليهم نبأ نوح}) خبره مع قومه ({إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر}) عظم ({عليكم مقامي}) مكاني يعني نفسه أو قيامي مكاني بين أظهركم ألف سنة إلا خمسين عامًا وهو من باب الإسناد المجازي كقولهم ثقل عليّ ظله ({وتذكيري بآيات الله}) لأنهم كانوا إذا وعظوا الجماعة قاموا على أرجلهم يعظونهم ليكون مكانهم بيّنّا وكلامهم مسموعًا ({فعلى الله توكلت}) جواب الشرط وتاليه عطف عليه وهو قوله ({فأجمعوا أمركم وشركاءكم}) أي مع شركائكم ({ثم لا يكن أمركم عليكم غمة}) فسر بالسترة من غمه إذا ستره، والمعنى حينئذٍ ولا يكن قصدكم إلى إهلاكي مستورًا عليكم وليكن مكشوفًا مشهورًا تجاهرونني به ({ثم اقضوا إليّ}) ذلك الأمر الذي تريدون بي ({ولا تنظرون}) ولا تمهلون ({فإن توليتم}) فإن أعرضتم عن تذكيري ونصيحتي ({فما سألتكم من أجر}) فأوجب التولي ({إن أجري إلا على الله}) وهو الثواب الذي يثيبني به في الآخرة أي ما فصحتكم إلا لله لا لغرض من أغراض الدنيا ({وأمرت أن أكون من المسلمين}[يونس: ٧١، ٧٢]) أي من المستسلمين لأوامره ونواهيه، وسقط لأبي ذر من قوله:{وتذكيري بآيات الله} الخ وقال إلى قوله: {وأمرت أن أكون من المسلمين} وقوله: {غمة} فسره بقوله: {همّ وضيق} وقال في اللباب: يقال غم وغمة نحو كرب وكربة. قال أبو الهيثم: غمّ علينا الهلال فهو مغموم إذا التمس فلم ير، قال طرفة بن العبد:
لعمرك ما أمري عليّ بغمة ... نهاري ولا ليلي عليّ بسرمدي
وقال الليث: هو في غمة من أمره إذا لم يتبين له.
(قال مجاهد) المفسر فيما وصله الفريابي في تفسيره عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: ({اقضوا إليّ}[يونس: ٧١]) أي ({ما في أنفسكم}) وقال غير مجاهد (يقال افرق) أي (اقض. وقال مجاهد) فيما وصله الفريابي أيضًا بالسند السابق ({وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله}[التوبة: ٦] (إنسان) من المشركين (يأتيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فيستمع ما يقول) من كلام الله (وما أنزل) بضم الهمزة وكسر الزاي ولأبي ذر ما ينزل (عليه) بتحتية بدل الهمزة مضمومة مع فتح الزاي أو مفتوحة مع كسرها (فهو آمن حتى يأتيه) عليه الصلاة والسلام (فيسمع منه كلام الله) ولأبي ذر عن الكشميهني حين يأتيه فيسمع كلام الله (وحتى يبلغ مأمنه حيث جاء) يعني إن أراد مشرك سماع كلام الله فأعرض عليه القرآن وبلغه إليه وأمنه عند السماع، فإن أسلم فذاك وإلاّ فردّه إلى مأمنه من حيث أتاك. وقال مجاهد أيضًا فيما وصله الفريابي أيضًا ({النبأ العظيم}[النبأ: ٢]) هو (القرآن) وقوله (صوابًا) أي قال (حقًّا في الدنيا وعمل به) فإنه يؤذن له يوم القيامة بالتكلم وللأصيلي وعملاً بدل قوله وعمل، واستطرد المصنف بذكره هنا على