للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أهل البدع ({فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله}) على ما يشتهونه ({وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}).

قال في الكشاف: أي لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلا الله، وتعقبه في الانتصاف بأنه لا يجوز إطلاق الاهتداء على الله تعالى لما فيه من إيهام سبق جهل وضلال تعالى الله وتقدس عن ذلك لأن اهتدى مطاوع هدى ويسمى من تجدد إسلامه مهتديًا وانعقد الإجماع على امتناع إطلاق الألفاظ الموهمة عليه تعالى قال: وأظنه سها فنسب الاهتداء إلى الراسخين في العلم وغفل عن شمول ذلك الحق جل جلاله.

({يقولون آمنا به}) وفي مصحف ابن مسعود: ويقول الراسخون في العلم آمنا به بواو قبل يقول وثبت ذلك من قراءة ابن عباس كما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وهو يدل على أن الواو للاستئناف. قال صاحب المرشد: لا إنكار لبقاء معنى في القرآن استأثر الله تعالى بعلمه دون خلقه

فالوقف على إلا الله على هذا تام ولا يكاد يوجد في التنزيل أما وما بعدها رفع إلا ويثنى ويثلث كقوله تعالى: {أما السفينة} {وأما الغلام} {وأما الجدار} الآيات، فالمعنى وأما الراسخون فحذف لدلالة الكلام عليه. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يجاء في الجواب بالفاء وليس بعد والراسخون الفاء، فجوابه: أن أما لما حذفت ذهب حكمها الذي يختص بها فجرى مجرى الابتداء والخبر ({كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب}) وسقط قوله: {وما يعلم تأويله} إلا الله الخ لغير أبي ذر وقالوا بعد قوله وابتغاء تأويله إلى قوله وما يذكر إلا أولو الباب.

(قالت) عائشة رضي الله تعالى عنها: (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) بكسر تاء رأيت وكاف أولئك على خطاب عائشة وفتحهما لأبي ذر على أنه لكل أحد ولأبي ذر عن الكشميهني فاحذرهم بالإفراد أي احذر أيها المخاطب الإصغاء إليهم وأول ما ظهر ذلك من اليهود كما عند ابن إسحاق في تأويلهم الحروف المقطعة وإن عددها بالجمل بقدر مدة هذه الأمة ثم أول ما ظهر في الإسلام من الخوارج.

وحديث الباب أخرجه مسلم في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير.

٢ - باب {وَإِنِّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}

هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({وإني أعيذها}) أي أجيرها ({بك وذريتها من الشيطان الرجيم}). [آل عمران: ٣٦].

٤٥٤٨ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَاّ وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلَاّ مَرْيَمَ وَابْنَهَا» ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}.

وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) بميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):

(ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه) ابتداء للتسليط عليه وفي صفة إبليس وجنوده من بدء الخلق كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه (حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه) صارخًا نصب على المصدر كقوله قم قائمًا (إلا مريم وابنها) عيسى فحفظهما الله تعالى ببركة دعوة أمها حيث قالت: إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم، ولم يكن لمريم ذري غير عيسى عليه الصلاة والسلام، وزاد في باب صفة إبليس ذهب يطعن فطعن في الحجاب، والمراد به

الجلدة التي يكون فيها الجنين وهي المشيمة. ونقل العيني أن القاضي عياضًا أشار إلى أن جميع الأنبياء يشاركون عيسى عليه الصلاة والسلام في ذلك. قال القرطبي: وهو قول مجاهد وقد طعن الزمخشري في معنى هذا الحديث وتوقف في صحته فقال: إن صح فمعناه إن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلا مريم وابنها فإنهما معصومان وكذلك كل من كان في صفتهما لقوله تعالى {إلا عبادك منهم المخلصين} [الحجر: ٤٠] واستهلاله صارخًا من مسه تخييل وتصوير لطمعه فيه كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول هذا ممن أغويه ونحوه من التخييل قول ابن الرومي:

لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد

<<  <  ج: ص:  >  >>