(فالقاتل والمقتول في النار) إذا كان القاتل منهما بغير تأويل سائغ أما إذا كانا صحابيين فأمرهما عن اجتهاد وظن لإصلاح الدين فالمصيب منهما له أجران والمخطئ أجر، وإنما حمل أبو بكرة الحديث على عمومه في كل مسلمين التقيا بسيفيهما حسمًا للمادة، وقد رجع الأحنف عن رأي أبي بكرة في ذلك وشهد مع علي باقي حروبه، ولا يقال إن قوله فالقاتل والمقتول في النار يشعر بمذهب المعتزلة القائلين بوجوب العقاب للعاصي، لأن المعنى أنهما يستحقان وقد يعفى عنهما أو واحد منهما فلا يدخلان النار كما قال تعالى:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ}[النساء: ٩٣] أي جزاؤه وليس بلازم أن يجازى. قال أبو بكرة (فقلت) وللأربعة وكريمة قلت (يا رسول الله هذا القاتل) يستحق النار لكونه ظالمًا (فما بال المقتول) وهو مظلوم؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنه كان حريصًا على قتل صاحبه) مفهومه أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن نفسه عليها أثم في اعتقاده وعزمه، ولا تنافي بين هذا وبين قوله في الحديث الآخر "إذا همّ عبدي بسيئة فلم يعملها فلا تكتبوها عليه" لأن المراد أنه لم يوطن نفسه عليها بل مرت بفكره من غير استقرار، ورجال إسناد هذا الحديث كلهم بصريون وفيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض وهم: أيوب والحسن والأحنف، واشتمل على التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في الفتن، ومسلم وأبو داود والنسائي.
٢٣ - باب ظُلْمٌ دُونَ ظُلْمٍ
هذا (باب) بالتنوين (ظلم دون ظلم) أي بعضه أخف من بعض، وهذه الترجمة لفظ رواية حديث رواه الإمام أحمد من كتاب الإيمان من حديث عطاء.
وبالسند إلى المؤلف قال:(حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي الباهلي البصري السابق (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح) مهملة (قال: وحدّثني) بالإفراد (بشر) كذا في فرع اليونينية كهي، وفي بعض الأصول وهو لكريمة ح. وحدّثني بشر قال في الفتح: فإن كانت -يعني الحاء المفردة- من أصل التصنيف فهي مهملة مأخوذة من التحويل على المختار، وإن كانت مزيدة من بعض الرواة فيحتمل أن تكون مهملة كذلك أو معجمة مأخوذة من البخاري لأنها رمزه، أي قال البخاري: وحدْثني بشر، لكن في بعض الروايات المصححة وحدّثني بواو العطف من غير حاء قبلها، وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة، وفي رواية ابن عساكر بن خالد أبو محمد العسكري كما في فرع اليونينية كهي المتوفى أبو بشر المذكور سنة ثلاث وخمسين ومائتين (قال: حدّثنا محمد) وفي رواية ابن عساكر محمد بن جعفر كما في الفرع أيضًا كاليونينية الهذلي البصري المعروف بغندر المتوفى فيما قاله أبو داود سنة ثلاث وتسعين ومائة (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش الأسدي الكاهلي الكوفي، ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعند المؤلف سنة ستين المتوفى سنة ثمان ومائة (عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس النخعي أبي عمران الكوفي الفقيه الثقة، وكان يرسل كثيرًا، المتوفى وهو مُختَفٍ من الحجاج سنة ست وتسعين وهو من الخامسة (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله، المتوفى سنة اثنتين وستين، وقيل: وسبعين (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه.
(قال لما نزلت) زاد الأصيلي قال: لما نزلت هذه الآية: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْم}{أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون}[الأنعام: ٨٢] وقوله: بظلم أي عظيم أي لم يخلطوه بشرك إذ لا أعظم من الشرك، وقد ورد التصريح بذلك عند المؤلف من طريق حفص بن غياث عن الأعمش ولفظه: قلنا يا رسول الله أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون بل لم يلبسوا إيمانهم بظلم بشرك ألم تسمعوا إلى قول لقمان فذكر الآية الآتية، لكن منع التيمي تصوّر خلط الإيمان بالشرك وحمله على عدم حصول الصفتين لهم كفر متأخر عن إيمان متقدّم. أي: لم يرتدوا أو المراد أنهم لم يجمعوا بينهما ظاهرًا وباطنًا أي لم ينافقوا وهذا أوجه. (قال أصحاب رسول الله) وللأصيليّ النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أينا لم يظلم نفسه) مبتدأ وخبر والجملة مقول القول (فأنزل الله) ولأبي ذر والأصيلي، فأنزل الله عز وجل عقب ذلك (إن الشرك لظلم عظيم) إنما حملوه على العموم لأن قوله بظلم نكرة في سياق النفي، لكن عمومها