الاستثناء والوصف لا يجوز فصلهما إلخ ... ليس هذا فصلاً ولا يضر ذكره مجردًا عما قبله لأن المراد حكاية الزائد على ما نزل أوّلاً فيقتصر عليه لأنه الذي تعلق به الغرض، ولذا قال في الطريق الثانية عن زيد فأنزل الله تعالى {غير أولي الضرر} فماذا يعتذر به عن
زيد بن ثابت مع كونه لم يصل الاستثناء أو النعت بما قبله؟ والحق أن كلاً الأمرين سائغ ثم إن اسثناء أولي الضرر يفهم التسوية بين القاعدين للعذر وبين المجاهدين، إذ الحكم المتقدم عدم الاستواء فيلزم ثبوت الاستواء لمن استثنى ضرورة أنه لا واسطة بين الاستواء وعدمه.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الجهاد.
٢٨٣٢ - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ , فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْلَى عَلَيْهِ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} قَالَ فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمِلُّهَا عَلَىَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ -وَكَانَ رَجُلاً أَعْمَى- فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي. فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي. ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ}. [الحديث ٢٨٣٢ - طرفه في: ٤٥٩٢].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (صالح بن كيسان) بفتح الكاف وسكون التحتية (عن ابن شهاب) الزهري (عن سهل بن سعد الساعدي) الصحابي -رضي الله عنه-. وقال الترمذي: لم يسمع منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهو من التابعين. قال ابن حجر: لا يلزم من عدم السماع عدم الصحبة (أنه قال: رأيت مروان بن الحكم) التابعي أمير المدينة زمن معاوية ثم صار خليفة بعد (جالسًا في المسجد فأقبلت حتى جلست إلى جنبه، فأخبرنا أن زيد بن ثابت) الأنصاري -رضي الله عنه- (أخبره) (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أملى عليه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أملى عليّ ({ولا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله}) [النساء: ٩٥]. (قال: فجاء ابن أم مكتوم وهو يمليها عليّ) بضم المثناة التحتية وكسر الميم وضم اللام مشددة وهو مثل يمليها عليّ ويملي ويملل بمعنى ولعل الياء منقلبة عن إحدى اللامين (فقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت)؟ أي لو استطعت وعبر بالمضارع إشارة إلى الاستمرار أو استحضارًا لصورة الحال، (وكان رجلاً أعمى) وهذا يفسر قوله في الرواية السابقة وشكا ضرارته (فأنزل الله تعالى على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفخذه على فخذي) بالذال المعجمة والواو للحال (فثقلت عليّ) فخذه الشريفة ثقل الوحي (حتى خفت أن ترض) بضم المثناة الفوقية وبعد الراء المفتوحة ضاد معجمة مثقلة أي تدق (فخذي) ولغير أبي ذر أن ترض بفتح أوله (ثم سري) بضم المهملة وتشديد الراء أي كشف (عنه فأنزل الله عز وجل: {غير أولي الضرر}) وفي رواية خارجة بن زيد عند أحمد وأبي داود قال زيد بن ثابت، فوالله لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع كان بالكتف.
وحديث الباب من أفراد البخاري، ومسلم.
٣٢ - باب الصَّبْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ
٢٨٣٣ - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى كَتَبَ فَقَرَأْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا».
(باب) فضل (الصبر عند القتال) مع الكفار.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين الأزدي البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن محمد الفزاري (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم أبي النضر) مولى عمر بن عبيد الله (أن عبد الله بن أبي أوفى كتب) أي إلى عمر بن عبيد الله (فقرأته أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا لقيتموهم) أي الكفار عند الحرب والتصاف (فاصبروا) ولا تنصرفوا عن الصف وجوبًا إذا لم يزد عدد الكفار على مثليكم بخلاف ما إذا زاد لقوله تعالى: {فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} [الأنفال: ٦٦]. الآية. وهو أمر بلفظ الخبر إذ لو كان خبرًا لم يقع بخلاف المخبر عنه (إلاّ متحرفًا لقتالٍ} كمن ينصرف ليكمن في موضع فيهجم أو ينصرف من مضيق ليتبعه العدوّ إلى متّسع سهل للقتال {أو متحيزًا إلى فئة} يستنجد بها ولو بعيدة فلا يحرم انصرافه قال تعالى: (إلاّ متحرفًا} [الأنفال: ١٦] الآية. وخرج بالتصاف ما لو لقي مسلم كافرين فله الانصراف وإن كان هو الذي طلبهما لأن فرض الجهاد، والثبات إنما هو في الجماعة.
وقد مضى هذا الحديث في باب الجنة تحت بارقة السيوف؛ لكنه لم يذكر فيه قوله: إذا لقيتموهم فاصبروا وإنما قال: واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. فقول بعض الشراح هنا ذكر فيه المؤلّف طرفًا من حديث ابن أبي أوفى، وقد تقدّم التنبيه عليه قريبًا في باب: