أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال لأنه ﷺ أمرهم أن يطيعوا الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب، وفي حال الأمر بالمعصية فبين لهم ﵊ أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية، وقد ذكر ابن سعد في طبقاته أن سبب هذه السرية أنه بلغه ﷺ أن ناسًا من الحبشة تراءاهم أهل جدة فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر سنة تسع في ثلاثمائة فانتهى بهم إلى جزيرة في البحر، فلما خاض البحر إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأمر عبد الله بن حذافة على من تعجل. قال البرماوي: ولعل هذا عذر البخاري حيث جمع بينهما مع أنه في الحديث لم يسم واحدًا منهما وترجمة البخاري لعلها تفسير للمبهم الذي في الحديث.
والحديث أخرجه أيضًا في الأحكام وفي خبر الواحد، ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد، والنسائي في البيعة والسير.
٦٠ - باب بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
(بعث أبي موسى) الأشعري (ومعاذ) ولأبي ذر: ومعاذ بن جبل ﵄ (إلى اليمن قبل حجة الوداع).
٤٣٤١ و ٤٣٤٢ - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى
مِخْلَافٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلَافَانِ ثُمَّ قَالَ: «يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَمَلِهِ، قال: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا سَارَ فِي أَرْضِهِ وكَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى، فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلَامِهِ؟ قَالَ: لَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَانْزِلْ، قَالَ: مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ: فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ: أَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي مِنَ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي فَأَحْسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْسِبُ قَوْمَتِي.
[الحديث ٤٣٤٢ - طرفه في: ٤٣٤٥].
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن عمير (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (قال: بعث رسول الله ﷺ أبا موسى) عبد الله بن قيس وهذا مرسل لكنه سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى متصلاً به (ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل واحد منهما على مخلاف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء الكورة والإقليم والرستاق بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح الفوقية آخره قاف بلغة أهل اليمن (قال: واليمن مخلافان) وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن وجهة أبي موسى السفلى (ثم قال) ﵊ لهما:
(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) الأصل أن يقال بشرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفرا، فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة والتأنيس والتنفير فهو من باب المقابلة المعنوية قاله الطيبي، وقال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أن النكتة في الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم وأتي بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى مطلقًا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو التنفير فكأنه قال: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله تعالى: ﴿فقولا قولاً لينًا﴾ [طه: ٤٤].
(فانطلق كل واحد منهما) من أبي موسى ومعاذ (إلى عمله قال: وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبًا من صاحبه أحدث به عهدًا) في الزيارة (فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه قريبًا من صاحبه أبي موسى فجاء) معاذ (يسير على بغلته حتى انتهى إليه) إلى أبي موسى (وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (هو جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه لكن في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية قريبًا أنه يهودي (قد جمعت يداه إلى عنقه) جملة حالية صفة لرجل (فقال له معاذ): لأبي موسى (يا عبد الله بن قيس أيم هذا) بفتح الياء والميم بغير إشباع أي: أي شيء هذا، وأصله أي ما، وأي استفهامية وما بمعنى شيء فحذفت
الألف تخفيفًا ولأبي ذر أي بضم الياء (قال) أبو موسى: (هذا رجل كفر بعد إسلامه قال) معاذ: (لا أنزل) أي عن بغلتي (حتى يقتل قال) أبو موسى: (إنما جيء به لذلك فأنزل) بهمزة وصل مجزوم على الأمر (قال: ما أنزل حتى يقتل فأمر به) أبو موسى (فقتل ثم نزل، فقال): لأبي موسى (يا عبد الله كيف تقرأ القرأن؟ قال) أبو موسى: (أتفوّقه تفوّقًا) بالفاء ثم القاف أي أقرؤه شيئًا بعد شيء في آناء الليل والنهار يعني لا أقرؤه مرة واحدة بل أفرق قراءته على أوقات مأخوذ من فواق الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب (قال) أبو موسى: (فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل فأقوم) بالفاء (وقد قضيت جزئي من النوم) بضم الجيم وسكون الزاي بعدها همزة مكسورة فياء أي جزّأ الليل أجزاء جزءًا للنوم وجزءًا للقراءة والقيام، وقال الزركشي تبعًا للدمياطي قيل: الوجه قضيت أربي. قال في المصابيح: وهذا من التحكمات العارية