هذا (باب) بالتنوين في قوله عز وجل وملحق في اليونينية بعد باب بين الأسطر قوله عز وجل ({ونبئهم}) أي وأخبر عبادي ({عن ضيف إبراهيم}) أي أضيافه جبريل وميكائيل وإسرافيل ودردائيل ({إذ دخلوا عليه})[الحجر: ٥١](الآية) وكانوا دخلوا مشاة في صورة رجال مرد حسان، فلما رآهم سرّ بهم فخرج إلى أهله فجاء بعجل سمين مشوي فقربه إليهم فأمسكوا أيديهم فقال: إنّا منكم وجلون. قالوا:(لا توجل) أي (لا تخف) وإنما خاف منهم لأنهم دخلوا بغير وقت وبغير إذن أو لأنهم امتنعوا من الأكل. فإن قيل: كيف سماهم ضيفًا مع امتناعهم من الأكل؟ أجيب: بأنه لما ظن إبراهيم أنهم إنما دخلوا عليه لطلب الضيافة جاز تسميتهم بذلك وقيل: إن من دخل دار إنسان والتجأ إليه سمي ضيفًا وإن لم يأكل. ({وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي الموتى} إلى قوله {ولكن ليطمئن قلبي}[البقرة: ٢٦٠]) قال القرطبي: الاستفهام بكيف إنما هو سؤال عن حال شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول نحو قولك كيف علم زيد وكيف نسج الثوب ونحو هذا فكيف في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء والإحياء متقرر اهـ.
وسقط لأبي ذر قوله {ولكن ليطمئن قلبي} وثبت له سابقه في فرع اليونينية وفيها. وقال الحافظ ابن حجر بعد قوله باب قوله:{ونبئهم عن ضيف إبراهيم} الآية لا توجل لا تخف كذا اقتصر في هذا الباب على تفسير هذه الكلمة، وبذلك جزم الإسماعيلي وقال: ساق الآيتين بلا حديث، ثم قال الحافظ بعد قوله:{وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى}[البقرة: ٢٠٦] كذا وقع هذا الكلام لأبي ذر متصلاً بالباب، ووقع في رواية كريمة بدل قوله {ولكن ليطمئن قلبي} وحكى الإسماعيلي أنه وقع عنده باب قوله {وإذا قال إبراهيم} الخ وسقط كل ذلك للنسفي، وصار حديث أبي هريرة تكملة الباب الذي قبله فكملت به الأحاديث عشرين حديثًا وهو متجه اهـ.
وبه قال:(حدّثنا أحمد بن صالح) المصري قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرَّحمن) بن عوف (وسعيد بن المسيب) كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) على سبيل التواضع.
(نحن أحق من إبراهيم) ولأبي ذر عن الكشميهني: نحن أحق بالشك من إبراهيم (إذ قال) لما رأى جيفة حمار مطروحة على شط البحر فإذا مدّ البحر أكل دواب البحر منها وإذا جزر البحر جاءت السباع فأكلت، وإذا ذهبت جاءت الطيور فأكلت وطارت ({رب أرني كيف تحيي الموتى}) أي كيف تجمع أجزاء الحيوان من بطون السباع والطيور ودواب البحر، أو لما ناظر نمروذ حين قال: ربي الذي يحيي ويميت، وقال الملعون: أنا أحيي وأميت وأطلق محبوسًا وأقتل رجلاً. فقال إبراهيم عليه السلام: إن إحياء الله تعالى برد الروح إلى بدنها. فقال نمروذ، فهل عاينته؟ فلم يقدر أن يقول نعم.
وانتقل إلى تقرير آخر فقال له نمروذ لعنه الله: قل لربك حتى يحيي وإلا قتلتك فسأل الله تعالى ذلك، وقيل: إن الله لما أوحى إليه أني متخذ بشرًا خليلاً فاستعظم إبراهيم عليه السلام ذلك فقال: إلهي ما علامة ذلك؟ قال: إنه يحيي الموتى بدعائه فلما عظم مقام إبراهيم في العبودية خطر بباله أنه الخليل فسأل إحياء الموتى ({قال أو لم تؤمن}) بأني قادر على جمع الأجزاء المتفرقة أو على الإحياء بإعادة التركيب والروح إلى الجسد ({قال بلى}) آمنت ({ولكن}) سألت ({ليطمئن قلبي})[البقرة: ٢٦٠] ليحصل الفرق بين المعلوم بالبرهان والمعلوم عيانًا أو ليطمئن قلبي بقوة حجتي، إذا قيل لي: أنت عاينت؟ أقول: نعم. أو ليطمئن قلبي بأني خليل لك، فظهر أن سؤال إبراهيم لم يكن شكًّا بل من قبيل زيادة العلم بالعيان فإن العيان يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيده الاستدلال. وعن الشافعي في معنى الحديث الشك يستحيل في حق إبراهيم عليه السلام ولو كان الشك متطرقًا إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لكنت الأحق به من إبراهيم وقد علمتم أن إبراهيم لم يشك فإذا لم أشك