ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر قرأه بضمير المفعول أي القرآن، ولأبي ذر عن الكشميهني كما كان قرأ، والحاصل أن الحالة الأولى جمعه في صدره، والثانية تلاوته، والثالثة تفسيره وإيضاحه.
ورواة هذا الحديث ما بين مكي وكوفيّ وبصريّ وواسطيّ وفيه تابعي عن تابعي وهما موسى بن أبي عائشة عن سعيد بن جبير، وأخرجه المؤلف في التفسير وفضائل القرآن ومسلم في الصلاة والترمذي وقال: حسن صحيح.
ولما كان ابتداء نزول القرآن عليه ﵊ في رمضان على القول به كنزوله إلى السماء جملة واحدة فيه شرع المؤلف يذكر حديث تعاهد جبريل له ﵉ في رمضان في كل سنة فقال:
(حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح المهملة هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة العتكي بالمهملة والمثناة الفوقية المفتوحتين المروزيّ المتوفى سنة إحدى أو اثنتين وعشرين ومائتين عن ست وسبعين سنة، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي مولاهم المروزي الإمام المتفق على ثقته وجلالته من تابعي التابعين، وكان والده من الترك مولى لرجل من همدان المتوفى سنة إحدى وثمانين ومائة، (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد بن مشكان الأيليّ (عن الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب، (قال) أي البخاري وفي الفرع كأصله بدل قال: (ح) مهملة مفردة في الخط مقصورة في النطق على ما جرى عليه رسمهم إذا أرادوا الجمع بين إسنادين فأكثر عند الانتقال من سند لآخر خوف الإلباس، فربما يظن أن السندين واحد، ومذهب الجمهور أنها مأخوذة من التحويل. وقال عبد القادر الرهاوي وتبعه الدمياطي من الحائل الذي يحجز بين الشيئين، وقال ينطق به ومنعه الأوّل. وعن بعض المغاربة يقول بدلها الحديث وهو يشير إلى أنها رمز عنه، وعن خط الصابوني وأبي مسلم الليثي وأبي سعيد الخليلي صح لئلا يتوهم أن حديث هذا الإسناد سقط، أو خوف تركيب الإسناد الثاني مع الأوّل فيجعلا إسنادًا واحدًا وزعم بعضهم أنها معجمة أي إسناد آخر فوهم.
(وحدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون المعجمة المروزي السختياني وهو مما انفرد البخاري بالرواية عنه عن سائر الكتب الستة وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين، (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر نحوه عن الزهري، يعني أن عبد الله بن المبارك حدّث به عبدان عن يونس وحده، وحدّث به بشر بن محمد عن يونس ومعمر معًا، أما باللفظ فعن يونس وأما بالعنى فعن معمر. ومن ثم زاد فيه
لفظة نحوه، (قال) أي الزهري: (أخبرني) بل بالإفراد، ولأبي ذر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد الله) بن عتبة بضم العين المهملة وسكون المثناة الفوقية وفتح الموحدة ابن مسعود الإمام الجليل أحد الفقهاء السبعة التابعي المتوفى بعد ذهاب بصره سنة تسع أو ثمان أو خمس أو أربع وتسعين، (عن ابن عباس)﵄ أنه (قال):
(كان رسول الله ﷺ أجود الناس) بنصب أجود خبر كان أي أجودهم على الإطلاق، (وكان أجود ما يكون) حال كونه (في رمضان) برفع أجود اسم كان، وخبرها محذوف وجوبًا على حد قولك أخطب ما يكون الأمير قائمًا وما مصدرية أي أجود أكوان الرسول ﷺ، وفي رمضان سدّ مسد الخبر أي حاصلاً فيه، أو على أنه مبتدأ مضاف إلى المصدر وهو ما يكون، وما مصدرية وخبره في رمضان تقديره أجود أكوانه ﵊ حاصل له في رمضان، والجملة كلها خبر كان واسمها ضمير عائد على الرسول ﷺ. وللأصيلي كأبي ذرّ في اليونينية أجود بالنصب خبر كان، وعورض بأنه يلزم منه أن يكون خبرها اسمها، وأجيب بجعل اسم كان ضمير النبي ﷺ. وما حينئذ مصدرية ظرفية، والتقدير كان ﵊ متصفًا بالأجودية مدة كونه في رمضان مع أنه أجود الناس مطلقًا، وتعقب بأنه إذا كان فيه ضمير النبي ﷺ لا يصح أن يكون أجود خبرًا لكان، لأنه مضاف إلى الكون ولا يخبر بكون