ولأبي ذر عن الكشميهني في كبير بالتذكير أي لا يعذّبان في أمر يكبر ويشق عليهما الاحتراز عنه ولم يرد أن الأمر فيهما هين في أمر الدين ولذا قال: (وإنه لكبير) قال في النهاية وكيف لا يكون كبيرًا وهما يعذبان فيه (كان أحدهما لا يستتر من البول) أي لا يتنزه منه أو من الاستتار على ظاهره أي لا يحترز من كشف عورته والأول أوجه وإن كان مجازًا كما مرّ (وكان الآخر يمشي بالنميمة) ليفسد بين الناس (ثم دعا) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بجريدة) من جريد النخل وهي السعفة التي جرّد عنها الخوص أي قشّر (فكسرها بكسرتين) بكسر الكاف في الثانية (أو اثنتين فجعل كسرة في قبر هذا وكسرة) بكسر الكاف فيهما (في قبر هذا فقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا).
قال النووي -رحمه الله تعالى-، قال العلماء: هو محمول على أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل الشفاعة لهما.
فأجيب: بالتخفيف عنهما إلى أن ييبسا أو لكون الجريد يسبح ما دام رطبًا وليس لليابس تسبيح. قال تعالى: {وإن من شيء إلاّ يسبح بحمده} [الإسراء: ٤٤] قالوا: معناه وإن من شيء حي إلاّ
يسبح وحياة كل شيء بحسبه فحياة الخشب ما لم ييبس والحجر ما لم يقطع، وذهب المحققون إلى أنه على عمومه، ثم اختلفوا هل يسبح حقيقة أم فيه دلالة على الصانع فيكون مسبحًا منزهًا بلسان حاله. والمحققون على أنه يسبح حقيقة. قال الله تعالى: {وإن منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: ٧٤]. وإذا كان العقل لا يحيل التمييز فيها وجاء النص به وجب المصير إليه.
والحديث سبق قريبًا.
٥٠ - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: ١١]
وَ {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة: ١] يَهْمِزُ وَيَلْمِزُ: يَعِيبُ
(باب ما يكره من النميمة) قال في فتح الباري: كأنه أشار إلى أن بعض القول المنقول على جهة الإفساد يجوز إذا كان المقول فيه كافرًا مثلاً كما يجوز التجسس في بلاد الكفار ونقل ما يضرهم.
(وقوله تعالى: {هماز مشاء بنميم}) [القلم: ١١] (و) قوله تعالى: ({ويل لكل همزة لمزة}) [الهمزة: ١] قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (يهمز ويلمز) أي (يعيب) بالعين المهملة فجعل معناهما واحدًا ولأبي ذر عن الكشميهني: ويغتاب بالغين المعجمة والفوقية بعدها ألف قال في الفتح: وأظنه تصحيفًا. لأبي الوقت: يهمز ويلمز ويعيب واحد. وقال ابن عباس: همزة لمزة طعان مغتاب. وقال الربيع بن أنس: الهمزة يهمزه في وجهه واللمزة من خلفه، وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه ويأكل لحوم الناس، وقال مجاهد: الهمز بالعين واليد واللمز باللسان.
٦٠٥٦ - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ حُذَيْفَةَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلاً يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (من إبراهيم) النخعي (من همام) هو ابن الحارث النخعي الكوفي أنه (قال: كنا مع حذيفة) بن اليمان -رضي الله عنه- (فقيل له إن رجلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (يرفع الحديث إلى عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (فقال حذيفة) ولأبي ذر والمستملي: فقال له حذيفة (سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا يدخل الجنة) دخول الفائزين (قتات) بقاف مفتوحة فمثناتين فوقيتين أولاهما مشددة بينهما ألف في قت الحديث يقته قتًّا والرجل قتات أي نمام. قال ابن الأعرابي: هو الذي يسمع الحديث وينقله، ووقع في رواية أبي وائل عن حذيفة عند مسلم بلفظ نمام. وقال القاضي عياض: القتات والنمام واحد، وفرق بعضهم بأن النمام الذي يحضر القصة وينقلها، والقتات التي يتسمع من
حديث من لا يعلم به ثم ينقل ما سمعه وهل الغيبة والنميمة متغايران أو لا، والراجح التغاير وإن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه، لأن النميمة نقل حال الشخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه سواء كان بعلمه أو بغير علمه والغيبة ذكره في غيبته بما يكره فامتازت النميمة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركتا فيما عدا ذلك.
والحديث أخرجه مسلم في الإيمان وأبو داود في الأدب والترمذي في البر والنسائي في التفسير.
٥١ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠]
(باب قول الله تعالى: {واجتنبوا قول الزور}) [الحج: ٣٥] أي الكذب أو البهتان أو شهادة الزور لأنه من أعظم المحرمات وفي الصحيحين من حديث أبي بكرة قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا وقول الزور