١٤٧٤ - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ سَمِعْتُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ».
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عبيد الله بن أبي جعفر) بضم العين وفتح الموحدة مصغرًا واسم أبي جعفر يسار (قال: سمعت حمزة بن عبد الله بن عمر) بالحاء المهملة والزاي وعمر بضم العين وفتح الميم (قال: سمعت) أبي (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما يزال الرجل يسأل الناس) أي تكثرًا وهو غني. (حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم) بل كله عظم ومزعة بضم الميم وسكون الزاي وفتح العين المهملة. وزاد في القاموس كسر الميم. وحكى ابن التين فتح الميم والزاي القطعة من اللحم أو النتفة منه وخص الوجه لمشاكلة العقوبة في موضع الجناية من الأعضاء لكونه أذل وجهه بالسؤال أو أنه يأتي ساقط القدر والجاه، وقد يؤيده حديث مسعود بن عمرو عند الطبراني والبزار مرفوعًا: لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فلا يكون له عند الله وجه.
وقال التوربشتي قد عرفنا الله تعالى أن الصور في الدار الآخرة تختلف باختلاف المعاني قال الله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦] فالذي يبذل وجهه لغير الله في الدنيا من غير بأس وضرورة بل للتوسع والتكثر يصيبه شين في وجهه بإذهاب اللحم عنه ليظهر للناس عنه صورة المعنى الذي خفي عليهم منه انتهى.
ولفظ الناس يعم المسلم وغيره فيؤخذ منه جواز سؤال غير المسلم، وكان بعض الصالحين إذا احتاج يسأل ذميًا لئلا يعاقب المسلم بسببه لو رده قاله ابن أبي جمرة. وظاهر قوله: ما يزال الرجل يسأل إلى آخره الوعيد لمن سأل سؤالاً كثيرًا، والمؤلف فهم أنه وعيد لمن سأل تكثرًا، والفرق بينهما ظاهر فقد يسأل الرجل دائمًا وليس متكثرًا لدوام افتقاره واحتياجه، لكن القواعد تبين أن المتوعد هو السائل عن غنى وكثرة لأن سؤال الحاجة مباح وربما ارتفع عن هذه الدرجة، وعلى هذا أنزل البخاري الحديث قاله في المصابيح وسبقه إليه ابن المنير في الحاشية.
١٤٧٥ - وَقَالَ "إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الأُذُنِ. فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". وَزَادَ عَبْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ «فَيَشْفَعُ لِيُقْضَى بَيْنَ الْخَلْقِ، فَيَمْشِي حَتَّى يَأْخُذَ بِحَلْقَةِ الْبَابِ. فَيَوْمَئِذٍ يَبْعَثُهُ اللَّهُ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُهُ أَهْلُ الْجَمْعِ كُلُّهُمْ».
وَقَالَ مُعَلًّى حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ حَمْزَةَ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْأَلَةِ. [الحديث ١٤٧٥ - طرفه في: ٤٧١٨].
(وقال) عليه الصلاة والسلام (إن الشمس تدنو) أي تقرب (يوم القيامة) فيسخن الناس من دنوها فيعرقون (حتى يبلغ العرق نصف الأذن).
فإن قلت: ما وجه اتصال قوله إن الشمس الخ بما سبق؟ أجيب: بأن الشمس إذا دنت يكون أذاها لمن لا لحم له في وجهه أكثر وأشد من غيره.
(فبينا هم كذلك) أصله بين فزيدت الألف بإشباع فتحة النون وهو ظرف بمعنى المفاجأة ويحتاج إلى جواب يتم به المعنى وهو هنا قوله: (استغاثوا بآدم ثم) استغاثوا (بموسى، ثم) استغاثوا (بمحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). فيه اختصار إذ يستغاث أيضًا بغير من ذكر من الأنبياء كما لا يخفى.
(وزاد عبد الله) بن صالح كاتب الليث، أو عبد الله بن وهب فيما ذكره ابن شاهين فيما وصله البزار والطبراني في الأوسط وابن منده في الإيمان له: (حدّثني) بالإفراد (الليث) ابن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (ابن أبي جعفر) عبيد الله بتصغير عبد (فيشفع ليقضى بين الخلق فيمشي حتى يأخذ بحلقة الباب) بسكون لام حلقة والمراد حلقة باب الجنة، (فيومئذ يبعثه الله مقامًا محمودًا) هو مقام الشفاعة العظمى (يحمده أهل الجمع) أي أهل المحشر (كلهم).
وحديث الباب أخرجه مسلم والنسائي.
(وقال معلى) بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد اللام منوّنًا عند أبي ذر بن أسد مما وصله البيهقي: (حدّثنا وهيب) تصغير وهب (عن النعمان بن راشد عن عبد الله بن مسلم أخي) محمد بن
مسلم بن شهاب (الزهري عن حمزة) بن عبد الله بن عمر أنه (سمع ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسألة) أي في الجزء الأول من الحديث دون الزيادة وآخره: مزعة لحم.
٥٣ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] وَكَمِ الْغِنَى، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَلَا يَجِدُ غِنًى يُغْنِيهِ» {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} -إِلَى قَوُلِهِ- {فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٧٣].
(باب قول الله تعالى: {لا يسألون الناس إلحافًا} [البقرة: ٢٧٣] أي إلحاحًا وهو أن يلازم المسؤول حتى يعطيه من قولهم لحفني من فضل لحافه أي أعطاني من فضل ما عنده، ومعناه أنهم لا يسألون وإن سألوا عن ضرورة لم يلحوا، وقيل: هو نفي للسؤال والإلحاح كقوله:
على لاحب لا يهتدى بمناره
فمراده لا منار ولا اهتداء به ولا ريب أن نفي السؤال والإلحاح