فقال الشيوخ لا تستأثروا علينا فإنا كنا ردءًا لو انكشفتم فئتم فتنازعوا فأنزل الله {يسألونك عن الأنفال} إلى قوله: {إن كنتم مؤمنين}.
({الشوكة}) في قوله تعالى: {وتودّون أن غير ذات الشوكة} [الأنفال: ٧] (الحد) بالحاء المهملة أي تحبون أن الطائفة التي لا حدّ لها ولا منعة ولا قتال وهي العير تكون لكم وتكرهون ملاقاة النفير لكثرة عددهم وهذا ساقط لأبي ذر.
وقوله: ({مردفين}) بكسر الدال أي متبعين من أردفته إذا اتبعته أو جئت بعده (فوجًا بعد فوج). يقال: (ردفني) بكسر الدال (وأردفني) أي (جاء بعدي) وعن ابن عباس وراء كل ملك ملك وعنه مما روي من طريق علي بن أبي طلحة قال: وأمدّ الله تعالى نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين بألف من الملائكة وكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة.
(ذوقوا) يريد قوله تعالى: {ذلكم فذوقوه} [الأنعام: ١٤] أي (باشروا وجربوا) أي العذاب العاجل من ضرب الأعناق وقطع الأطراف (وليس هذا من ذوق الفم).
وقوله: ({فيركمه}) قال أبو عبيدة أي (يجمعه) ويضم بعضه على بعض أو يجعل الكافر مع ما أنفق للصد عن سبيل الله إلى جهنم ليكون المال عذابًا عليه كقوله تعالى: {فتكوي بها جباهم} [التوبة: ٣٥].
(شرّد) يريد قوله تعالى: {فإما تثقفنهم في الحرب فشرِّد بهم من خلفهم} [الأنفال: ٥٧] قال أبو عبيدة أي (فرق). وقال عطاء: غلظ عقوبتهم وأثخنهم قتلًا ليخاف من سواهم العدو ({وإن جنحوا}) أي (طلبوا السلم والسلم والسلام واحد) وهذا ثابت للأبوين للسلم للصلح.
({يثخن}) في الأرض قال أبو عبيدة: أي (يغلب) بكثرة القتل في العدوّ والمبالغة فيه حتى يذل الكفر ويعز الإسلام.
(وقال مجاهد): في قوله تعالى: {وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ} ({مكاء}) [الأنفال: ٣٥] هو (إدخال أصابعهم في أفواههم، وتصدية الصفير}) كذا رواه عبد بن حميد عن مجاهد، وعن ابن عمر مما رواه ابن جرير المكاء الصفير والتصدية التصفيق، وعن ابن عباس مما رواه ابن أبي حاتم كانت قريش تطوف بالبيت عراة تصفر وتصفق.
({ليثبتوك}) أي (ليحبسوك) وما روي عن عبيد بن عمير أن قريشًا لما ائتمروا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليثبتوه أو يقتلوه أو يخرجوه قال له عمه أبو طالب: هل تدري ما ائتمروا بك؟ قال: (يريدون أن يسجنوني أو يقتلوني أو يخرجوني) فقال: من أخبرك بهذا؟ قال: "رب الخير" الخ ...
تعقبه ابن كثير بأن ذكر أبي طالب فيه غريب جدًا بل منكر لأن هذه الآية مدنية، وهذه القصة إنما كانت ليلة الهجرة بعد موت أبي طالب بنحو ثلاث سنين.
وذكر ابن إسحاق عن ابن عباس أنهم اجتمعوا في دار الندوة فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ نجدي فقال بعضهم: تحبسونه في بيت وتسدّون منافذه غير كوّة تلقون إليه طعامه وشرابه منها حتى يموت فقال إبليس: بئس الرأي يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، وقال هشام بن عمرو: رأيي أن تحملوه على جمل فتخرجوه من أرضكم فلا يضرّكم ما صنع فقال بئس الرأي يفسد قومًا غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل: أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلامًا وتعطوه سيفًا فيضربه ضربة واحدة فيتفرق دمه في القبائل، فقال إبليس: صدق هذا الفتى فتفرقوا على رأيه، فأتى جبريل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأخبره بالخبر وأمره بالهجرة، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال يذره نعمته عليه {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك} [الأنفال: ٣٠].
وقد منع بعضهم حديث إبليس وتغيير صورته لأن فيه إعانة للكفار ولا يليق بحكمة الله تعالى أن يجعل إبليس قادرًا عليه، وأجيب: بأنه إذا لم يبعد أن يسلطه الله على قريش بالوسوسة فيما صدر منهم فكيف يبعد ذلك.
٢ - باب {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: ٢٢]
({إن شرّ الدواب عند الله}) ما يدب على أرض أو شرّ البهائم ({الصمّ}) عن سماع الحق ({البكم}) عن فهمه ولذا قال ({الذين لا يعقلون}) [الأنفال: ٢٢] أجعلهم من البهائم ثم جعلهم شرّها وزاد أبو ذر قال قال هم نفر من بني عبد الدار.
٤٦٤٦ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} قَالَ: هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا ورقاء) بفتح الواو وبعد الراء الساكنة قاف.