أن النفس الروح أو غيرها حتى قيل إن فيها ألف قول وظلمًا مصدر وكثيرًا بالمثلثة نعت له لا بالمنعوت (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) فليس لي حيلة في دفعها فأنا المفتقر إليك المضطر الموعود بالإِجابة (فاغفر لي مغفرة من عندك) الفاء للسببية واغفر لفظه لفظ الأمر ومعناه الدعاء وإلاّ إيجاب للنفي. وفائدة قوله: من عندك وإن كان الكل من عند الله أن فضل الله ومغفرته لا في مقابلة عمل ولا بإيجاب على الله وتفيد العندية معنى القرب في المنزلة (وارحمني) عطف على سابقه (إنك أنت الغفور) فعول بمعنى فاعل (الرحيم) بمعنى راحم، وفي الكلام لف ونشر مرتب لأن طلب المغفرة بقوله: اغفر لي وطلب الرحمة بقوله: ارحمني، فالتقدير اغفر لي إنك أنت الغفور وارحمني إنك أنت الرحيم، وفي الكلام حذف لدلالة ما تقدم عليه والتقدير ولا يغفر الذنوب إلا أنت ولا يرحم العباد إلا أنت فحذف ولا يرحم العباد إلا أنت لدلالة وارحمني، ويحتمل أن يكون التقدير ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي ولا يرحم العباد إلا أنت فارحمني.
وهذا الدعاء من أحسن الأدعية لا سيما في ترتيبه فإن فيه تقديم نداء الرب واستغاثته بقوله: اللهم ثم الاعتراف بالذنب في قوله: ظلمت نفسي ثم الاعتراف بالتوحيد إلى غير ذلك مما لا يخفى مع ما اشتمل عليه من التأكيد بقوله: إنك أنت الغفور الرحيم بكلمة إن وضمير الفصل وتعريف الخبر باللام وبصيغة المبالغة.
[(تنبيه)]
الأمر في قوله ﷺ قل يقتضي جواز الدعاء به في الصلاة من غير تعيين محله، لكنه يخصص بالموضع اللائق بالدعاء، وعينه بعضهم في السجود لحديث: فأما السجود فاجتهدوا فيه بالدعاء، وعينه آخرون بعد التشهد لحديث: ثم ليتخير بعد ذلك في المسألة ما شاء، وهذا الأخير رجحه ابن دقيق العيد، ويؤيده أن الأئمة كالبخاري والنسائي والبيهقي وغيرهم احتجوا بهذا الحديث للدعاء في آخر الصلاة، وقال النووي: إنه استدلال صحيح. وقال الفاكهاني: الجمع بينهما في المحلين أولى.
وحديث الباب سبق في أواخر صفة الصلاة قبيل كتاب الجمعة.
(وقال عمرو): بفتح العين ولأبي ذر عمرو بن الحارث فيما وصله البخاري في التوحيد (عن يزيد) بن حبيب (عن أبي الخير) مرثد (أنه سمع عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص (قال أبو بكر ﵁ للنبي ﷺ). وثبت قوله إنه لأبي ذر عن الكشميهني.
٦٣٢٧ - حَدَّثَنَا عَلِىٌّ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا﴾ [الإسراء: ١١٠] أُنْزِلَتْ فِى الدُّعَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن سلمة اللبقي بفتح اللام والموحدة بعدها قاف مكسورة كما قاله الكلاباذي قال: (حدّثنا مالك بن سعير) بضم السين وفتح العين المهملتين وبعد التحتية الساكنة راء ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم بعدها سين مهملة قال: (حدّثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة) ﵂ (﴿ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها﴾ أنزلت في الدعاء) وقال به ابن عباس فيما رواه عنه عكرمة، وقال به مجاهد وسعيد بن جبير ومكحول وعروة بن الزبير، وقال آخرون: ولا تجهر بصلاتك أي بقراءة صلاتك على حذف مضاف لأنه يلتبس إذ الجهر والمخافتة يعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار، وسبق في تفسير سورة الإِسراء حديث ابن عباس أن النبي ﷺ كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمعه المشركون سبّوا فنزلت الآية. وحديث عائشة ظاهره العموم في الصلاة وخارجها لكن روى حديثها هذا ابن خزيمة والحاكم، وزاد فيه التشهد فهو مخصص لإِطلاقه كما مرّ في آخر الإِسراء والله أعلم.
٦٣٢٨ - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِى وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ﵁ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِى الصَّلَاةِ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ لَنَا النَّبِىُّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِى الصَّلَاةِ فَلْيَقُلِ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ -إِلَى قَوْلِهِ- الصَّالِحِينَ فَإِذَا قَالَهَا أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ لِلَّهِ فِى السَّمَاءِ وَالأَرْضِ صَالِحٍ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنَ الثَّنَاءِ مَا شَاءَ».
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي أخو أبي بكر والقاسم قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (﵁) أنه (قال: كنا نقول في الصلاة: السلام على الله) زاد يحيى في روايته عند المؤلّف في باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد من عباده، وأخرجه أبو داود عن مسدد