السنة مبينة لمجمل القرآن لإطلاق الفدية فيه وتقييدها بالسنة وتحريم حلق الرأس على المحرم والرخصة له في حلقها إذا آذاه القمل أو غيره من الأوجاع.
واستنبط منه بعض المالكية إيجاب الفدية على من تعمد حلق رأسه بغير عذر فإن إيجابها على المعذور من التنبيه بالأدنى على الأعلى، لكن لا يلزم من ذلك التسوية بين المعذور وغيره، ومن ثم قال الشافعي: لا يتخير العامد بل يلزمه الدم.
٩ - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَلَا رَفَثَ﴾ [البقرة: ١٩٧]
(باب قول الله تعالى: (﴿فلا رفث﴾).
١٨١٩ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان مولى عزة الأشجعية، ولغير أبي الوقت: سمعت أبا حازم وفيه تصريح منصور بسماعه له من أبي حازم في رواية شعبة، وقد انتفى بذلك تعليل من أعله بالاختلاف على منصور لأن البيهقي أورده من طريق إبراهيم بن طهمان عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي حازم زاد فيه رجلاً، فإن كان إبراهيم حفظه فلعله حمله عن هلال ثم لقي أبا حازم فسمعه منه فحدث به على الوجهين، وصرح أبو حازم بسماعه له من أبي هريرة كما تقدم في أوائل الحج من طريق شعبة عن سيار عن أبي حازم (عن أبي هريرة ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ):
(من حج) أي قصد (هذا البيت) الحرام لحج أو عمرة، ولمسلم، من أتى هذا البيت لحاضر
فالظاهر أنه ﵊ قاله: وهو بمكة (فلم يرفث) بتثليث الفاء والضم المشهور في الرواية واللغة وبالفتح الاسم وبالسكون المصدر والمعنى فلم يجامع أو لم يأت بفحش من الكلام ولم يفسق لم يخرج عن حدود الشرع بالسباب وارتكاب المحظورات، والفاء في قوله فلم والواو في قوله ولم عطف على الشرط في قوله: من حج، وجوابه قوله: (رجع) حال كونه (كما) أي مشابهًا لنفسه في البراءة من الذنوب صغائرها أو كبائرها في يوم (ولدته أمه) إلا في حق آدمي إذ هو محتاج لاسترضائه: نعم إذا رضي تعالى عن عبده أرضى عنه خصماءه، وفي نسخة: كيوم ولدته أمه.
١٠ - باب قَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٧]
(باب) قول الله ﷿: (﴿ولا فسوق ولا جدال في الحج﴾) [البقرة: ١٩٧] برفع فسوق منونًا كلا رفث لابن كثير وأبي عمرو ويعقوب، ووافقهم أبو جعفر وزاد رفع جدال على أن لا ملغاة وما بعدها رفع بالابتداء وسوّغ الابتداء بالنكرة تقدم النفي عليها وفي الحج خبر المبتدأ الثالث وحذف خبر المبتدأ الأول والثاني لدلالة الثالث عليهما، وقرأ الباقون بالفتح في الثلاثة على أن لا هي التي للتبرئة وهل فتحة الاسم فتحة إعراب أو بناء الجمهور على الثاني.
١٨٢٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) هو الثوري كما نص عليه البيهقي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي حازم) بالحاء والزاي سلمان (عن أبي هريرة ﵁ قال: قال النبي): ولأبي الوقت: قال رسول الله (ﷺ):
(من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق) قال في القاموس: الفسق الترك لأمر الله والعصيان والخروج عن طريق الحق أو الفجور كالفسوق وفسق جار وعن أمر ربه خرج والرطبة عن قشرها خرجت كانفسقت، قيل: ومنه الفاسق لانسلاخه عن الخير (رجع) والحال أنه (كيوم ولدته أمه) عاريًا من الذنوب أو رجع بمعنى صار والظرف خبره وميمه مفتوحة ويجوز كسرها وهو الذي في اليونينية، ولم يذكر في الحديث الجدال اعتمادًا على ما في الآية أو لأن المجادلة ارتفعت بين العرب وقريش في موضع الوقوف بعرفة والمزدلفة فأسلمت قريش وارتفعت المجادلة ووقف الكل بعرفة.
﷽
[٢٨ - كتاب جزاء الصيد]
[١ - باب جزاء الصيد ونحوه]
وقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ [البقرة: ٩٥].
(بسم الله الوحمن الرحيم).
(باب جزاء الصيد) إذا باشر المحرم قتله (ونحوه) كتنفير صيد الحرم وعضد شجره (وقول الله تعالى) (﴿لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾) [المائدة: ٩٥] كذا ثبتت البسملة وتاليها لأبي ذر ولغيره باب قول الله تعالى: (﴿لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم﴾) أي محرمون، ولعله ذكر القتل دون الذبح للتعميم وأراد بالصيد ما يؤكل لحمه لأنه الغالب فيه عرفًا (﴿ومن قتله منكم متعمدًا) ذاكرًا لإحرامه عالمًا بأنه