ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير في جلب نفع أو دفع ضر (ولا هامة) بتخفيف الميم على الصحيح وحكى أبو زيد تشديدها كانوا يعتقدون أن عظام الميت تنقلب هامة تطير وقيل هي البومة كانت إذا سقطت على دار أحدهم يرى أنها ناعية له نفسه أو بعض أهله وقيل إن روح القتيل الذي لا يؤخذ بثأره تصير هامة فتزقو وتقول اسقوني فإذا أدرك بثأره طار (ولا صفر) هو تأخير المحرم إلى صفر وهو النسيء وفي سنن أبي داود عن محمد بن راشد أنهم كانوا يتشاءمون بدخول صفر أي لما يتوهمون أن فيه تكثر الدواهي والفتن، وقيل إن في البطن حيّة تهيج عند الجوع وربما قتلت صاحبها وكانت العرب تراها أعدى من الجرب فنفى ﷺ ذلك بقوله، ولا صفر، وزاد مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ولا تولة وزاد النسائي وابن حبان من حديث جابر ولا غول، فالحاصل ستة وقد كانت العرب تزعم أن الغيلان في الفلوات وهي جنس من الشياطين تتراءى للناس وتتغوّل لهم تغوّلاً أي تتلون تلوّنًا فتضلهم عن الطريق فتهلكهم فنفى النبي ﷺ استطاعة الغول أن تضل أحدًا. وفي حديث: لا غول ولكن السعالى، والسعالى سحرة الجن أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، وفي الحديث إذا تغوّلت الغيلان فبادروا بالأذان أي ادفعوا شرها بذكر الله فلم يرد بنفيها عدمها إذ كانت ثم زالت ببعثته ﷺ قال الطيبي: لا التي لنفي الجنس دخلت على المذكورات فنفت ذواتها وهي غير منفية فيتوجه النفي إلى أوصافها وأحوالها التي هي مخالفة للشرع فإن العدوى والصفر والهامة والتولة موجودة فالمنفي ما زعمت الجاهلية إثباته فإن نفي الذات لإرادة نفي الصفات أبلغ لأنه من باب الكناية (وفرّ من المجذوم كما تفر) أي كفرارك (من الأسد) فما مصدرية.
واستشكل مع السابق وأكله ﷺ مع مجذوم وقال: ثقة بالله وتوكلاً عليه المروي في … وأجيب: بأن المراد بنفي العدوى أن شيئًا لا يعدي بطبعه نفسًا لما كانت الجاهلية تعتقده من أن الأمراض تعدي بطبعها من غير إضافة إلى الله تعالى كما سبق، فأبطل ﷺ اعتقادهم ذلك وأكل مع المجذوم ليبين لهم أن الله تعالى هو الذي يمرض ويشفي ونهاهم عن الدنوّ من المجذوم ليبين أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مسبباتها ففي نهيه إثبات الأسباب وفي فعله إشارة إلى أنها لا تستقل بل الله هو الذي إن شاء سلبها قواها فلا تؤثر شيئًا إن شاء أبقاها فأثرت وعلى هذا جرى أكثر الشافعية، وقيل إن إثبات العدوى في الجذام ونحوه مخصوص من عموم نفي
العدوى، فيكون المعنى لا عدوى، إلاّ من الجذام والبرص والجرب مثلاً قاله القاضي أبو بكر الباقلاني، وقيل: الأمر بالفرار ليس من باب العدوى بل لأمر طبيعي وهو انتقال الداء من جسد إلى جسد بواسطة الملامسة والمخالطة وشم الرائحة فليس على طريق العدوى بل بتأثير الرائحة لأنها تسقم مَن واظب اشتمامها ونحو ذلك قاله ابن قتيبة، وهو قريب، وقيل المراد بالفرار رعاية خاطر المجذوم لأنه إذا رأى الصحيح البدن سليمًا من الآفة التي به عظمت مصيبته وحسرته واشتد أسفه على ما ابتلي به ونسي سائر ما أنعم الله عليه فيكون سببًا لزيادة محنة أخيه المسلم وبلائه وقيل لا عدوى أصلاً رأسًا والأمر بالفرار إنما هو حسم للمادة وسد للذريعة لئلا يحدث للمخالط شيء من ذلك فيظن أنه بسبب المخالطة فيثبت العدوى التي نفاها ﷺ فأمر ﷺ بتجنب ذلك شفقة منه ورحمة، ويأتي مزيدًا لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله.
٢٠ - باب الْمَنُّ شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (المن شفاء للعين) أي من داء العين والمن بفتح الميم وتشديد النون كل طل بنزل من السماء على شجر أو حجر ويحلو وينعقد عسلاً ويجف جفاف الصمغ كالشيرخشت والترنجبين والمعروف بالمن ما وقع على شجر البلوط