عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
({يوم يقوم الناس لرب العالمين}) [المطففين: ٦] يوم القيامة وتدنو الشمس منهم مقدار ميل (حتى يغيب أحدهم في رشحه) بفتح الراء وسكون المعجمة في الفرع وضبطه في الفتح والمصابيح بفتحتين جميعًا عرقه لأنه يخرج من بدنه شيئًا فشيئًا كما يترشح الإناء المتحلل الأجزاء، وفي رواية سعيد بن داود حتى أن العرق يلجم أحدهم (إلى أنصاف أذنيه).
قال الكرماني: فإن قلت: ما وجه إضافة الجمع إلى المثنى وهل هو مثل صغت قلوبكما؟ وأجاب: بأنه لما كان لكل شخص أُذنان بخلاف القلب لا يكون مثله بل يصير من باب إضافة الجمع إلى الجمع حقيقة ومعنى انتهى.
وحكى القاضي أبو بكر بن العربي أن كل أحد يقوم عرقه معه وهو خلاف المعتاد في الدنيا فإن الجماعة إذا وقفوا في الأرض المعتادة أخذهم الماء أخذًا واحدًا لا يتفاوتون فيه وهذا من القدرة التي تخرق العادات والإيمان بها من الواجبات، ويأتي لذلك إن شاء الله تعالى في محله بعون الله تعالى وفضله وكرمه.
[٨٤] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}
قَالَ مُجَاهِدٌ {كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ}: يَأْخُذُ كِتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ. {وَسَقَ}: جَمَعَ مِنْ دَابَّةٍ. {ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ}: لَا يَرْجِعَ إِلَيْنَا.
([٨٤] سورة {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ})
ثبت لفظ سورة لأبي ذر.
(قال) ولأبي ذر: وقال (مجاهد): فيما وصله الفريابي في قوله تعالى: ({كتابه بشماله}) [الحاقة: ٥] أي (يأخد كتابه من وراء ظهره) تجعل يده من وراء ظهره فيأخذ بها كتابه وتغل يمناه إلى عنقه.
({وسق}) [الانشقاق: ١٧] أي (جمع) ما دخل عليه (من دابة) وغيرها.
({ظن أن لن يحور} [الانشقاق: ١٤]. أي (لا يرجع إلينا) ولا يبعث والحور الرجوع.
١ - باب {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله تعالى: ({فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا}) [الانشقاق: ٨].
سوف من الله واجب والحساب اليسير هو عرض عمله عليه كما يأتي إن شاء الله تعالى في هذا الحديث وثبت التبويب وتاليه لأبي ذر.
٤٩٣٩ - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) الفلاس قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عثمان بن الأسود) الجمحي أنه (قال: سمعت ابن أبي مليكة) عبد الله قال: (سمعت عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
٠٠٠٠ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
قال المؤلّف: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
٠٠٠٠ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي يُونُسَ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ إِلَاّ هَلَكَ». قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} قَالَ: «ذَاكَ الْعَرْضُ يُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ».
وقال المؤلّف أيضًا: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثنا (مسدد) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد الدال المهملة الأولى ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد القطان (عن أبي يونس حاتم بن أبي صغيرة) بالصاد المهملة المفتوحة والغين المعجمة المكسورة الباهلي البصري (عن ابن أبي مليكة عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق (عن عائشة -رضي الله عنها-) فهذه ثلاثة أسانيد صرح في الأوّلين منها بأن ابن أبي مليكة حمل الحديث عن عائشة بغير واسطة، وفي الثالث بواسطة القاسم بن محمد عنها فحمله النووي على أنه سمعه من عائشة وسمعه من القاسم عنها فحدّث به على الوجهين. قال في الفتح: وهو مجرد احتمال وقد وقع التصريح بسماع ابن أبي مليكة له من عائشة كما في السند الأول فانتفى القول بإسقاط رجل من السند وتعين الحمل على أنه سمعه من عائشة ثم من القاسم عنها أو بالعكس والسر فيه أن في روايته بالواسطة ما ليس في
روايته بغير واسطة. (قالت: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت يا رسول الله جعلني الله فداءك)، بالهمز (أليس يقول الله عز وجل: {فأما من أوتي كتابه بيمينه * فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا} قال) عليه الصلاة والسلام: (ذاك) بكسر الكاف (العرض يعرضون) بأن تعرض عليه أعماله فيعرف الطاعة والمعصية ثم يثاب على الطاعة ويتجاوز عن المعصية ولا يطالب بالعذر فيه (ومن نوقش الحساب) بضم النون وكسر القاف مبنيًا للمفعول والحساب نصب بنزغ الخافض أي من استقصى أمره في الحساب (هلك) بالعذاب في النار أو أن نفس عرض الذنوب والتوقيف على