الحديث الصحيح: عليكم برخصة الله فعليه بالصوم وعليكم بقيام الليل، وفي رواية ابن عساكر والأصيلي، فعليكم السكينة، بالنصب، بعليكم على الإغراء. وجوّز الرفع على الابتداء، والخبر سابقه، والمعنى: عليكم بالتأنّي والهينة.
فإذا فعلتم ذلك (فما أدركتم) مع الإمام من الصلاة (فصلوا) معه (وما فاتكم) منها (فأتموا) أي أكملوا وحدكم وبقية المباحث تأتي في التالي إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الباب اللاحق ومسلم في الصلاة.
٢١ - باب لَا يَسْعَى إِلَى الصَّلَاةِ، وَلْيَأْتِ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ
وَقَالَ: مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا. قَالَهُ أَبُو قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
هذا (باب) بالتنوين فيه ذكر (لا يسعى) الرجل (إلى الصلاة وليأت) ولأبي ذر: وليأتها (بالسكينة والوقار) هل بين الكلمتين فرق أو هما بمعنى واحد، وذكر الثاني تأكيد للأوّل، ويأتي ما فيه قريبًا إن شاء الله تعالى.
وقد سقطت هذه الترجمة من رواية الأصيلى، وكذا من رواية أبي ذر عن غير السرخسي، وصوّب ثبوتها لقوله فيها، قاله أبو قتادة، لأن الضمير يعود على ما ذكر في الترجمة بخلاف سقوطها فإنه يعود على المتن السابق ويلزم منه تكرار أبي قتادة من غير فائدة لأنه ساقه عنه، ووقع عند البرماوي كغيره وهو رواية الأربعة باب ما أدركتم فصلّوا. فأسقط قوله لا يسعى إلى الوقار. وقال: وفي بعضها باب: فليأتها بالسكينة والوقار.
(وقال) عليه الصلاة والسلام (ما أدركتم) من الصلاة أي مع الإمام (فصلوا وما فاتكم) منها (فأتموا) (قاله) أي المذكور (أبو قتادة) راوي حديث الباب السابق (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
٦٣٦ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمُ الإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ، وَلَا تُسْرِعُوا، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا». [الحديث ٦٣٦ - طرفه في: ٩٠٨].
وبالسند قال (حدّثنا آدم) بن إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو محمد بن عبد الرحمن بن ذئب (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(و) بإسناد السابق وهو عن آدم عن ابن أبي ذئب (عن الزهري عن أبي سلمة) بفتحات يعني أن ابن أبي ذئب حدّث به عن الزهري عن شيخين حدّثاه به (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إذا سمعتم الإقامة) للصلاة (فامشوا إلى الصلاة)، وإنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها، لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيًا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى، وفي رواية همام: إذا نودي بالصلاة فأتوها وأنتم تمشون. (وعليكم بالسكينة) أي بالتأنّي في الحركات واجتناب العبث (والوقار) في الهيئة: كغض البصر، وخفض الصوت، وعدم الالتفات، أو الكلمتان بمعنى واحد، والثاني تأكيد للأوّل.
وللأربعة وعزاها ابن حجر لغير أبي ذر: وعليكم السكينة والوقار، بغير موحدة يجوز فيهما الرفع والنصب كما سبق آنفًا مع جواب استشكال دخول حرف الجرّ على السكينة المتعدي بنفسه، وقول ابن حجر لا يلزم من كونه يتعدّى بنفسه امتناع تعديته بالباء، تعقبه العيني بأن نفي الملازمة غير صحيح انتهى.
وراء والوقار فيها الحركات الثلاثة كالسكينة في أحوالها الثلاثة للعطف عليها وذكر الإقامة تنبيهًا على غيرها، لأنه إذا نهى عن إتيانها مسرعًا في حال الإقامة مع خوف فوت بعضها فما قبلها أولى (ولا تسرعوا) بالإقدام ولو خفتم فوات تكبيرة الإحرام أو غيرها، ولو فاتت الجماعة بالكلية فإنكم في حكم المصلين المخاطبين بالخشوع والإجلال والخضوع، فالمقصود من الصلاة حاصل لكم وإن لم تدركوا منها شيئًا. والأعمال بالنيّات، وعدم الإسراع مستلزم لكثرة الخطأ وهو معنى مقصود بالذات وردت فيه أحاديث صحيحات.
وفي مسلم: فإن أحدكم إذا كان يعمد إلى الصلاة فهو في صلاة، ففيه إشارة كما مر أن يتأدب بآداب الصلاة.
فإذن قلت إن الأمر بالسكينة معارض بقوله تعالى في الجمعة {فاسعوا إلى ذكر الله} أجيب: بأنه ليس المراد من الآية الإسراع، بل المراد الذهاب أو هو بمعنى العمل والقصد كما تقول سعيت في أمري.
(فما أدركتم) أي إذا فعلتم ما أمرتكم به من السكينة والوقار، وعدم الإسراع