والسلام إلى الصلاة متعقب باحتمال أن يكون عليه الصلاة والسلام قضى حاجته من الأكل، فلا تتم الدلالة.
ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول.
٤٤ - باب مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ
(باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج) إليها وترك تلك الحاجة، وهذا بخلاف حضور الطعام، فإن فيه زيادة وتشوّق تشغل القلب، ولو ألحقت به لم يبق للصلاة وقت في الغالب.
٦٧٦ - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ. [الحديث ٦٧٦ - طرفاه في: ٥٣٦٣، ٦٠٣٩].
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف، ابن عتيبة تصغير عتبة (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد
النخعي (قال: سألت عائشة رضي الله عنها) فقلت لها مستفهمًا: (ما كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله) بفتح الميم وقد تكسر مع سكون الهاء فيهما، وأنكر الأصمعي الكسر، قال آدم بن أبي إياس في تفسيرها: (تعني) عائشة (في خدمة أهله) نفسه أو أعم، كتفليته ثوبه، وحلبه شاته، تواضعًا منه عليه الصلاة والسلام، وللمستملي وحده: في مهنة بيت أهله، وإضافة البيت للأهل لملابسة السكنى ونحوها، وإلاّ فالبيت له عليه الصلاة والسلام، واسم كان ضمير الشأن، وكررها القصد الاستمرار والمداومة وتفسير آدم للمهنة موافق للجوهري، لكن فسرها في المحكم، بالحذق بالخدمة والعمل. (فإذا حضرت الصلاة) ولابن عرعرة: فإذا سمع الأذان (خرج) عليه الصلاة والسلام (إلى الصلاة) وترك حاجة أهله. وهذا موضع الدلالة للترجمة.
وفي هذا الحديث: التحديث والعنعنة والسؤال، وأخرجه أيضًا في الأدب والنفقات، والترمذي في الزهد وقال: صحيح.
٤٥ - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهْوَ لَا يُرِيدُ إِلَاّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسُنَّتَهُ
(باب من صلّى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم) بضم الياء وفتح العين وتشديد اللام مكسورة (صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسنته) بالنصب عطفًا على صلاة.
٦٧٧ - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: "جَاءَنَا مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا فَقَالَ: إِنِّي لأُصَلِّي بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ، أُصَلِّي كَيْفَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي. فَقُلْتُ لأَبِي قِلَابَةَ: كَيْفَ كَانَ يُصَلِّي؟ قَالَ: مِثْلَ شَيْخِنَا هَذَا، قَالَ: وَكَانَ شَيْخًا يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى". [الحديث ٦٧٧ - أطرافه في: ٨٠٢، ٨١٨، ٨٢٤].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو تصغير وهب، ابن خالد صاحب الكرابيسي (قال: حدّثنا أيوب) بن أبي تميمة السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف، عبد الله بن زيد الجرمي (قال: جاءنا مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة وفتح الواو آخره مثلثة، الليثي (في مسجدنا هذا) مسجد البصرة (فقال:) وللأصيلي قال: (اني لأصلي بكم) بالموحدة، وللأصيلي: لأصلي لكم: باللام أي لأجلكم، ولام للتأكيد وهي مفتوحة، (وما أريد الصلاة) لأنه ليس وقت فرضها، أو كان قد صلاها، لكني أريد تعليمكم صفتها المشروعة بالفعل كما فعل جبريل عليه الصلاة والسلام، إذ هو أوضح من القول مع نيّة التقرب بها إلى الله، أو ما أريد الصلاة فقط، بل أريدها وأريد معها قرابة
أخرى، وهي تعليمها. فنية التعليم تبعًا، فيجتمع نيتان صالحتان في عمل واحد، كالغسل بنية الجنابة والجمعة، (أصلي) هذه الصلاة (كيف) أي على الكيفية التي (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) وكيف، نصب بفعل مقدّر، أي، لأريكم كيف رأيت. لكن كيفية الرؤية لا يمكن أن يريهم إياها، فالمراد لازمها وهو كيفية صلاته عليه الصلاة والسلام كما نبّه عليه الكرماني وأتباعه.
قال أيوب السختياني: (فقلت لأبي قلابة: كيف كان يصلّى؟ قال:) كان يصلّي (مثل) صلاة (شيخنا هذا) هو عمرو بن سلمة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في باب: اللبث بين السجدتين (قال) أيوب (وكان) أي عمرو (شيخًا) بالتنكير، وللأربعة: وكان الشيخ (يجلس) جلسة خفيفة للاستراحة (إذا رفع رأسه من السجود) الثاني (قبل أن ينهض في الركعة الأولى) وهو سُنّة عندنا خلافًا لأبي حنيفة ومالك وأحمد، وحملوا جلوسه عليه الصلاة والسلام على سبب ضعف كان به، أو بعدما كبر وأسنّ.
وتعقب بأن حمله على حالة الضعف بعيد، والأصل غيره، وبأن سنّه عليه الصلاة والسلام لا يقتضي عجزه عن النهوض، لا سيما وهو موصوف بمزيد القوة التامة، فثبتت المشروعية. والسُّنّة في هذه المجلسة الافتراش للاتباع، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح.
والجار والمجرور يتعلق بقوله: من السجود أي السجود الذي في الركعة الأولى، لا ينهض، لأن النهوض يكون منها لا فيها.
ورواة هذا الحديث الخمسة