الأواخر في الوتر) أي في أوتار تلك الليالي وأولها ليلة الحادي والعشرين إلى آخر ليلة التاسع والعشرين لا
ليلة إشفاعها، وهذا لا ينافي قوله: التمسوها في السبع الأواخر لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يحدث بميقاتها جازمًا به (وإني رأيت) أي في منامي (أني أسجد) وللكشميهني كما في الفتح: أن أسجد (في ماء وطين فمن كان اعتكف مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فليرجع) إلى معتكفه وفيه التفات إذ الأصل أن يقول اعتكف معي (فرجعنا) إلى معتكفنا (وما نرى في السماء قزعة) بفتح القاف والمعجمة أي قطعة رقيقة من السحاب، (فجاءت سحابة فمطرت) بفتحات (حتى سأل سقف المسجد) من باب ذكر المحل وإرادة الحال أي قطر الماء من سقفه، (وكان) السقف (من جريد النخل) سعفه الذي جرد عنه خوصه (وأقيمت الصلاة) صلاة الصبح (فرأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسجد في الماء والطين حتى رأيت أثر الطين في جبهته) الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زاد في رواية همام في باب السجود على الأنف في الطين تصديق رؤياه، ومبحث السجود بأثر الطين قد سبق في الصلاة وحمله الجمهور على الأثر الخفيف والله أعلم.
٣ - باب تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ. فِيهِ عُبَادَةُ
(باب تحري ليلة القدر في) ليالي (الوتر من العشر الأواخر) من رمضان ومحصله تعيينها في رمضان ثم في العشر الأخير منه ثم في أوتاره لا في ليلة منه بعينها (فيه) أي في هذا الباب (عبادة) بن الصامت، ولأبي ذر وابن عساكر عن عبادة وحديثه يأتي إن شاء الله تعالى في الباب اللاحق.
٢٠١٧ - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنَ الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ». [الحديث ٢٠١٧ - طرفاه في: ٢٠١٩، ٢٠٢٠].
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري المؤدب قال: (حدّثنا أبو سهيل) بضم السين وفتح الهاء مصغرًا نافع عم مالك بن أنس (عن أبيه) مالك بن أبي عامر الأصبحي (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(تحروا) بفتح المثناة والمهملة والراء وإسكان الواو من التحري أي اطلبوا بالاجتهاد (ليلة القدر في) ليالي (الوتر من العشر الأواخر من رمضان).
٢٠١٨ - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ، فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ، وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا، فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا
لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، فَابْتَغُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَاسْتَهَلَّتِ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَمْطَرَتْ، فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنَ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً".
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام الزبيري الأسدي المدني (قال: حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار (والدراوردي) بفتح الدال والراء الأولى وبعد الألف واو مفتوحة فراء ساكنة فدال مكسورة فياء نسبة إلى قرية من قرى خراسان، واسمه عبد العزيز أيضًا ابن محمد كلاهما (عن يزيد) من الزيادة، ولأبى ذر زيادة: ابن الهاد وهو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي (عن محمد بن إبراهيم) بن الحرث التيمي القرشي (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجاور) أي يعتكف في المسجد (في رمضان العشر التي في وسط الشهر) وللكشميهني: التي وسط الشهر فأسقط لفظة في (فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي) بنصب حين على الظرفية ويعربها العيني والبرماوي كالكرماني حين بالرفع أيضًا اسم كان، والذي في اليونينية وغيرها الأول، وقوله تمضي بفتح المثناة الفوقية في موضع نصب صفة لقوله ليلة المنصوب على التمييز، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: تمضي بالمثناة التحتية وآخره نون الجمع (ويستقبل) ليلة (إحدى وعشرين) عطف على قوله يمسي لا على تمضي (رجع) عليه الصلاة والسلام (إلى مسكنه ورجع من كان يجاور معه) إلى مساكنهم (وأنه) عليه الصلاة والسلام (أقام في شهر جاور فيه) في معتكفه (الليلة التي كان يرجع فيها) إلى مسكنه (فخطب الناس فأمرهم ما شاء الله)، أن يأمرهم (ثم قال):
(كنت أجاور هذه العشر) بتأنيث هذه (ثم قد بدا لي) ظهر لي بوحي أو اجتهاد (أن أجاور هذه العشر الأواخر فمن كان اعتكف معي) في رواية الباب السابق: فمن كان اعتكف مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والذي هنا على الأصل وذاك من باب الالتفات كما سبق (فليثبت في معتكفه) من الثبوت واللام ساكنة، وفي رواية لمسلم فليبت من المبيت، وفي أخرى فليلبث من