وصناعاتهم ومراتبهم ومقاصدهم ومللهم وأديانهم ونحلهم ومذاهبهم وعاداتهم وربما يؤخذ تعبير الرؤيا من الأمثال والأشباه والعكوس والأضداد وكل صاحب صناعة وعلم فإنه يستغني بآلات
صناعته وأدوات علمه عن آلات صناعة وأسباب علم آخر إلا صاحب التعبير فإنه ينبغي له أن يكون مطلعًا على جميع العلوم عارفًا بالأديان والملل والمواسم والعادات المستمرة فيما بين الأمم عارفًا بالأمثال والنوادر ويأخذ باشتقاق الألفاظ وأن يكون فطنًا ذكيًّا حسن الاستنباط خبيرًا بعلم الفراسة وكيفية الاستدلال من الهيئات الخلقية على الصفات الخلقية حافظًا للأمور التي تختلف باختلاف تعبير الرؤيا أمثلته بحسب الألفاظ المشتقة أن رجلاً رأى في منامه أنه يأكل السفرجل فقال له المعبر يتفق لك سفرة عظيمة لأن أول جزأي السفرجل هو السفر ورأى رجل أن رجلاً أعطاه غصنًا من أغصان السوسن فقال له المعبر: يصيبك من هذا المعطى سوء تبقى في ورطته سنة لأن السوسن أول جزء منه سو والسو يدل على الشر والجزء الثاني سن والسنة اسم للعام الذي هو اثنا عشر شهرًا لكن قال المسيحي إن هذا التعبير الذي بحسب الاشتقاق للألفاظ العربية إنما يفسر به العرب ومن في بلادهم دون غيرهم لأن للسفرجل والسوسن أسامي أخر لا تدل على هذا التعبير فالسفرجل والسوسن لا يدلان على السفر والسوء في حق من لا يكون من العرب ولا يتوطن ديار العرب ولكن يجعل اشتقاق الألفاظ وكيفية الاستعمال منها على التعبير قانونًا ودستورًا مستعملاً في سائر اللغات ويشتق في سائر اللغات من الألفاظ والأسماء المستعملة فيها ما يوافق معنى الاشتقاق من تلك اللغة دون غيرها كما إذا رأى فارسي في نومه أنه يأكل السفرجل فيدل على صلاح شأنه وانتظام أحواله ولا يدل على السفر في حقه لأن اسم السفرجل في لغة الفرس إنما هو به وهذا بعينه اسم للخيرية اهـ.
٣٦ - باب الأَخْذِ عَلَى الْيَمِينِ فِى النَّوْمِ
(باب الأخذ على اليمين في النوم).
٧٠٣٠ - حَدَّثَنِى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا فِى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكُنْتُ أَبِيتُ فِى الْمَسْجِدِ، وَكَانَ مَنْ رَأَى مَنَامًا قَصَّهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِى عِنْدَكَ خَيْرٌ فَأَرِنِى مَنَامًا يُعَبِّرُهُ لِى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنِمْتُ فَرَأَيْتُ مَلَكَيْنِ أَتَيَانِى فَانْطَلَقَا بِى فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِى: لَنْ تُرَاعَ إِنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ فَانْطَلَقَا بِى إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِىَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَدْ عَرَفْتُ بَعْضَهُمْ فَأَخَذَا بِى ذَاتَ الْيَمِينِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر بالجمع (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن راشد الأزدي مولاهم البصري نزيل اليمن (عن الزهري) محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث القرشي أبو بكر الفقيه الحافظ المتفق على جلالته وإتقانه (عن سالم عن ابن عمر) أبيه -رضي الله عنهما- أنه (قال: كنت غلامًا شابًّا عزبًا) بفتح العين المهملة والزاي
والموحدة من لا زوجة له (في عهد النبي) ولأبي ذر في عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكنت أبيت في المسجد) فيه أنه لا كراهة في النوم في المسجد (وكان) بواو العطف ولأبي ذر فكان (من رأى منامًا قصّه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: اللهم إن كان لي عندك خير فأرني منامًا يعبره لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم التحتية وفتح العين وتشديد الموحدة المكسورة يقال عبر الرؤيا يعبرها وعبرها يخفف ويثقل والتخفيف أكثر (فنمت فرأيت) في منامي (ملكين أتياني) بالنون (فانطلقا بي) بالموحدة (فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تراع) نصب بلن أي لا روع عليك ولا ضرر، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: لم ترع جزم بلم أي لم تفزع (إنك رجل صالح) والصالح القائم بحقوق الله تعالى حقوق العباد (فانطلقا بي) بالموحدة (إلى النار فإذا هي مطوية كطيّ البئر) بالحجارة والآجر (فإذا فيها) أي في النار (ناس قد عرفت بعضهم فأخذا بي) بالموحدة الملكان (ذات اليمين) طريق أهل الجنة (فلما أصبحت ذكرت ذلك) الذي رأيته في المنام (لحفصة) بنت عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-.
٧٠٣١ - فَزَعَمَتْ حَفْصَةُ أَنَّهَا قَصَّتْهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ، لَوْ كَانَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ». قَالَ الزُّهْرِىُّ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ يُكْثِرُ الصَّلَاةَ مِنَ اللَّيْلِ.
(فزعمت حفصة أنها) أي قالت إنها (قصتها) أي رؤييا (على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(إن عبد الله رجل صالح لو كان يكثر الصلاة من الليل) قيل فيه الوعيد على ترك السنن وجواز وقوع العذاب على ذلك قاله ابن بطال، لكن قال في الفتح أنه مشروط بالمواظبة على الترك رغبة عنها