للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في باب ما ندّ من البهائم.

[٣٨ - باب]

أَكْلِ المُضْطَرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ وَقَالَ: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ﴾ ﴿فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وَقَوْلُهُ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَنْ لَا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مُهَراقًا وَقَالَ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.

(باب) جواز (أكل المضطر) من الميتة (لقوله تعالى): ولأبي ذر: إذا أكل المضطر لقول الله تعالى: (﴿يا أيها الذين آمنوا كلوا﴾) أمر إباحة (﴿من طيبات ما رزقناكم﴾) من مستلذاته أو من حلالاته (﴿واشكروا لله﴾) الذي رزقكموها (﴿إن كنتم إياه تعبدون﴾) [البقرة: ١٧٢]. إن صح أنكم تخصونه بالعبادة وتقرون أنه مولى النعم.

ثم بيّن المحرم فقال: (﴿إنما حرم عليكم الميتة﴾) وهي كل ما فارقه الروح من غير ذكاة مما يذبح وإنما لإثبات المذكور ونفي ما عداه أي ما حرم عليكم إلا الميتة (﴿والدم﴾) يعني السائل، وقد حلت الميتتان والدمان لحديث (﴿ولحم الخنزير﴾) يعني الخنزير بجميع أجزائه وخص اللحم لأنه المقصود بالأكل (﴿وما أهل به لغير الله﴾) أي ذبح للأصنام (﴿فمن اضطر﴾) ألجئ (﴿غير﴾) حال أي فأكل غير (﴿باغ﴾) للذة وشهوة (﴿ولا عادٍ﴾) متعد مقدار الحاجة (﴿فلا إثم عليه﴾) [البقرة: ١٧٣] أي فيباح له قدر ما يقع به القوام وتبقى معه الحياة دون ما فيه حصول الشبع لأن

الإباحة للاضطرار فيتقدر بقدر ما يندفع به الضرر والأصح أنه يلزمه الأكل فإن توقع حلالًا عن قرب لم يجز غير سد الرمق وإن لم يتوقع الحلال فقيل يجوز له الشبع وإلا ظهر سد الرمق فقط إلا أن يخاف تلفًا إن اقتصر عليه فيجب عليه أن يشبع وله أكل آدمي ميت وقتل مرتد وحربي بالغ وأكلهما لأنهما غير معصومين وحدّ الاضطرار أن يصل به الجوع إلى حدّ الإهلاك أو إلى مرض يفضي إليه.

وهذا قول الجمهور. قال سيدي عبد الله بن أبي حمزة نفعني الله ببركاته: الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة، فإذا أكل منها حينئذ لا يتضرر. قال في الفتح: وهذا إن ثبت حسن بالغ في الحسن. وسقط قوله: ﴿واشكروا﴾ إلى آخره في رواية أبي ذر، وقال بعد: ﴿ما رزقناكم﴾ إلى ﴿فلا إثم عليه﴾.

(وقال) تعالى: (﴿فمن اضطر﴾) متصل بذكر المحرمات المذكورات قبل أي فمن اضطر إلى الميتة أو إلى غيرها (﴿في مخمصة﴾) مجاعة (﴿غير﴾) حال (﴿متجانف لإثم﴾) مائل إلى إثم أي غير متجاوز سدّ الرمق (﴿فإن الله غفور﴾) لا يؤاخذه بذلك (﴿رحيم﴾) [المائدة: ٣] بإباحة المحظور للمعذور.

(وقوله) بالجر عطفًا على المجرور السابق أو بالرفع على الاستئناف (﴿فكلوا مما ذكر اسم الله عليه﴾) دون ما ذكر عليه اسم غيره من آلهتكم (﴿إن كنتم بآياته مؤمنين * وما لكم ألاّ تأكلوا﴾) ما استفهامية في موضع رفع بالابتداء ولكم الخبر أي وأيّ غرض لكم في أن لا تأكلوا (﴿مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم﴾) بيّن لكم (﴿ما حرم عليكم﴾) مما لم يحرم بقوله: ﴿حرمت عليكم الميتة﴾ (﴿إلا ما اضطررتم إليه﴾) مما حرم عليكم فإنه حلال لكم في حال الضرورة أي شدّة المجاعة إلى أكله (﴿وإن كثيرًا ليضلون بأهوائهم بغير علم﴾) أي يضلون فيحرّمون ويحللون بأهوائهم وشهواتهم من غير تعلق بشريعة (﴿إن ربك هو أعلم بالمعتدين﴾) [الأنعام: ١١٨، ١١٩] بالمجاوزين من الحق إلى الباطل وسقط من قوله مما ذكر اسم الله عليه إلى آخره لابن عساكر وقال بعد قوله: ﴿تأكلوا﴾ الآية. وسقط لأبي ذر من قوله: ﴿وما لكم﴾ إلى آخر ﴿بالمعتدين﴾.

(وقوله جل وعلا: ﴿قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعم يطعمه﴾) أي آكل يأكله ومحرّمًا نصب صفة لموصوف محذوف حذف لدلالة قوله على طاعم يطعمه أي لا أجد طعامًا محرمًا وعلى طاعم متعلق بمحرمًا ويطعمه في موضع جرّ صفة لطاعم (﴿إلا أن يكون﴾) ذلك المحرم وقدره أبو البقاء ومكّي وغيرهما إلا أن يكون المأكول أو ذلك (﴿ميتة أو دمًا مسفوحًا﴾) صفة لدم والسفح الصب هو ما خرج من الحيوانات وهي أحياء أو من الأوداج عند الذبح فلا يدخل الكبد والطحال لأنهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما ولا ما اختلط باللحم من الدم لأنه غير سائل

(﴿أو لحم خنزير فإنه رجس﴾) نجس حرام والهاء في فإنه الظاهر عودها على لحم المضاف لخنزير وقال ابن حزم: على خنزير لأنه أقرب مذكور ورجح الأول بأن اللحم هو المحدث عنه والخنزير جاء

<<  <  ج: ص:  >  >>