تخفيفًا ولأبي ذر: لا تمنوا بإثباتها (لقاء العدو، فإذا لقيتموهم فاصبروا) لأن مع الصبر يبقى الثبات ويرجى النصر.
١٥٧ - باب الْحَرْبُ خَدْعَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (الحرب خدعة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة كما في الفرع وأصله وهي الأفصح وجزم بها أبو ذر الهروي والقزاز، وقال ثعلب: بلغنا أنها لغة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي كما قاله في الفتح خدعة بضم الخاء مع سكون الدال، وجوّز خدعة بضم أوله وفتح ثانيه كهمزة ولمزة وهي صيغة مبالغة، وحكى المنذري خدعة بفتح الأول والثاني جمع خادع. وحكى مكي وغيره خدعة بكسر أوّله وسكون ثانيه فهي خمسة ومعنى الإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو وصف للمفعول كهذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه، وعن الخطابي أنها المرة الواحدة يعني أنه إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرته ومعنى الضم مع السكون أنها تخدع الرجال أي هي محل الخداع وموضعه ومع فتح الدال أي تخدع الرجال تمنِّيهم الظفر ولا تفي لهم كالضحكة إذا كان يضحك بالناس، وقيل: الحكمة في الإتيان بالتاء الدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من
المسلمين فكأنه حضّهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهوّن بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قلّ.
٣٠٢٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَلَكَ كِسْرَى , ثُمَّ لَا يَكُونُ كِسْرَى بَعْدَهُ. وَقَيْصَرٌ لَيَهْلِكَنَّ، ثُمَّ لَا يَكُونُ قَيْصَرٌ بَعْدَهُ، وَلَتُقْسَمَنَّ كُنُوزُهما فِي سَبِيلِ اللَّهِ». [الحديث ٣٠٢٧ - أطرافه في: ٣١٢٠، ٣٦١٨، ٦٦٣٠].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(هلك) أي مات (كسرى) بكسر الكاف وقد تفتح معرب خسرو أي واسع الملك وهو اسم لكل من ملك الفرس (ثم لا يكون كسرى بعده) بالعراق وفي رواية: إذا هلك كسرى إلخ ... قال القرطبي: وبين رواية هلك وإذا هلك بون ويمكن الجمع بأن يكون أبو هريرة سمع أحد اللفظين قبل أن يموت كسرى والآخر بعد موته قال: ويحتمل أن يقع التغاير بالهلاك والموت فقوله: إذا هلك كسرى أي هلك ملكه وارتفع وقوله مات كسرى ثم لا يكون كسرى بعده المراد بعد كسرى حقيقة، والمراد بقوله هلك كسرى تحقق وقوع ذلك حتى عبّر عنه بلفظ الماضي وإن كان لم يقع بعد للمبالغة في ذلك كما في قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: ١]. (وقيصر) بغير صرف للعجمة والعلمية ونوّن في الفرع وصحح عليه مبتدأ خبره (ليهلكن) بفتح الياء وكسر اللام الثانية في الفرع كأصله وقيصر بالتنوين مصحح عليه وفي نسخة ولا قيصر ليهلكن بالصرف بعد النفي لزوال العلمية بالتنكير (ثم لا يكون قيصر بعده) بالشام. قال إمامنا الشافعي: وسبب الحديث أن قريشًا كانت تأتي الشام والعراق كثيرًا للتجارة في الجاهلية فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليها لمخالفتهم بالإسلام فقال عليه الصلاة والسلام: لا كسرى ولا قيصر بعدهما بهذين الإقليمين ولا ضرر عليكم فلم يكن قيصر بعده بالشام ولا كسرى بالعراق ولا يكون (ولتقسمن كنوزهما) أي مالهما المدفون وكل ما يجمع ويدّخر وسقطت ميم كنوزهما في الفرع وأصله (في سبيل الله) عز وجل ولتقسمن بضم المثناة الفوقية وفتح السين والميم وتشديد النون مبنيًّا للمفعول.
٣٠٢٨ - "وَسَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً". [الحديث ٣٠٢٨ - طرفه في: ٣٠٢٩].
(وسمى) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحرب خدعة) في غزوة الخندق لما بعث نعيم بن مسعود يخذل بين قريش وغطفان واليهود قاله الواقدي، وتكون بالتورية وبالكمين وبخلف الوعد وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرّم، وقال النووي: اتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيفما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
٣٠٢٩ - حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَصْرَمَ -اسْمُهُ بُورُ- أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَرْبَ خُدْعَةً".
وبه قال: (حدّثنا أبو بكر بن أصرم) بفتح الهمزة وسكون الصاد وبعد الراء المفتوحة ميم ولأبي الوقت: أبو بكر بضم الموحدة وبعد الواو الساكنة راء وهو اسمه ولأبي ذر: اسمه بور المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام بن منبه) بضم