أن شرعية الإحلال في العدوّ كانت لتحصيل الأمن منه وبالإحلال لا ينجو من المرض فلا يكون الإحصار بالمرض في معناه فلا يكون النص الوارد في العدو واردًا في المرض فلا يلحق به دلالة ولا قياسًا لأن شرعية التحلل قبل أداء الأفعال بعد الشروع في الإحرام على خلاف القياس فلا يقاس عليه.
وفي الموطأ عن سالم عن أبيه قال: من حبس من دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت، وأحتج الحنفية بأن الإحصار هو المنع والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وبأن إجماع أهل اللغة على أن مدلول لفظ الإحصار بالعمرة المنع الكائن بالمرض، والآية وردت بذلك اللفظ، وبحث فيه المحقق الكمال بن الهمام بأنه ظاهر في أن الإحصار خاص بالمرض والمحصر خاص بالعدوّ. ويحتمل أن يراد كون المنع بالمرض من ما صدقات الإحصار فإن أراد الأول ورد عليه كون الآية لبيان حكم الحادثة التي وقعت للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه -رضي الله عنهم-، واحتاج إلى جواب صاحب الأسرار وصاحبه كون النص الوارد لبيان حكم حادثة قد ينتظمها لفظًا، وقد ينتظم غيرها مما يعرف بحكمها دلالة، وهذه الآية كذلك إذ يعلم منه حكم من العدو بطريق الأولى لأن منع العدو حسي لا يتمكن معه من المضي بخلافه في المرض إذ يمكن بالمحمل والمركب والخدم فإذا جاز التحلل مع هذا فمع ذلك أولى.
وفي نهاية ابن الأثير يقال أحصره المرض أو السلطان إذا منعه من مقصده فهو محصر وحصره إذا حبسه فهو محصور، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٣] والمراد منعهم الاشتغال بالجهاد وهو أمر راجع إلى العدوّ أو المراد أهل الصفة منعهم تعلم القرآن أو شدة
الحاجة والجهد عن الضرب في الأرض للتكسب وليس هو بالمرض اهـ.
وزاد أبو ذر عن المستملي (قال أبو عبد الله): أي المؤلّف على عادته في ذكر تفسير ما يناسب ما هو بصدده (حصورًا) في قوله تعالى في يحيى بن زكريا {وحصورًا} [آل عمران: ٣٩] معناه (لا يأتي النساء) وهو بمعنى محصور لأنه منع مما يكون من الرجال وقد ورد فعول بمعنى مفعول كثيرًا، وهذا التفسير نقله الطبري عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد وليس المراد أنه لا يأتي النساء لأنه كان هيوبًا لهن أو لما ذكر له لأن هذه نقيصة لا تليق بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بل معناه أنه معصوم عن الفواحش والقاذورات والملاهي، روي أنه مرّ في صباه بصبيان فدعوه إلى اللعب فقال: ما للعب خلقت.
١ م - باب إِذَا أُحْصِرَ الْمُعْتَمِرُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أحصر المعتمر).
١٨٠٦ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ "أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- حِينَ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ قَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ الْبَيْتِ صَنَعْتُ كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ".
وبالسند قال: (حدثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- حين خرج) أي أراد أن يخرج (إلى مكة معتمرًا في الفتنة) حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير، ولا تنافي بين قوله معتمرًا وبين قوله في رواية الموطأ خرج إلى مكة يريد الحج فإنه خرج أوّلاً يريد الحج فلما ذكروا له أمر الفتنة أحرم بالعمرة ثم قال: ما شأنها إلا واحد فأضاف إليها الحج فصار قارنًا. (قال) جوابًا لقولهم: إنّا نخاف أن يحال بينك وبين البيت بسبب الفتنة (إن صددت) بضم الصاد مبنيًا للمفعول أي إن منعت (عن البيت صنعت) ولأبي الوقت: صنعنا (كما صنعنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حين صدّه المشركون عن البيت في الحديبية فإنه تحلل من العمرة ونحر وحلق (فأهلّ) أي فرفع ابن عمر صوته بالإهلال والتلبية (بعمرة) زاد في رواية جويرية: من ذي الحليفة، وفي روّاية أيوب الماضية: فيهل بالعمرة من الدار أي النزل الذي نزله بذي الحليفة أو المراد التي بالمدينة فيكون أهلّ بالعمرة من داخل بيته ثم أظهرها بعد أن استقر بذي الحليفة (من أجل أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أهل بعمرة عام الحديبية) سنة ست.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الحج.
١٨٠٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- لَيَالِيَ نَزَلَ الْجَيْشُ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا: لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَحُجَّ الْعَامَ، وَإِنَّا نَخَافُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْبَيْتِ. فَقَالَ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ، فَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ. وَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ الْعُمْرَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَنْطَلِقُ، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ طُفْتُ، وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا مَعَهُ. فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا شَأْنُهُمَا وَاحِدٌ، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي. فَلَمْ يَحِلَّ مِنْهُمَا حَتَّى حَلَّ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَهْدَى، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافًا وَاحِدًا يَوْمَ يَدْخُلُ مَكَّةَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة
البصري قال: (حدّثنا جويرية) تصغير جارية ابن أسماء بن عبيد الضبعي وهو عم عبد الله بن محمد الراوي عنه (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الأوّل ابن عمر بن الخطاب العدوي المدني