وتعقبه القاضي عياض بأنه ﵊ لم ينص لهم على ثمن مقدر بذله لهم في الحائط، وإنما ذكر الثمن مجملاً فإن أراد أن فيه التبدئة بذكر الثمن مقدرًا فليس كذلك. وأجاب في المصابيح بأن ابن بطال وغيره نقل الإجماع على أن صاحب السلعة أحق الناس بالسوم في سلعته وأولى بطلب الثمن فيها لكن الكلام في أخذ هذا الحكم من الحديث المذكور، فالظاهر أن لا دليل فيه على ذلك كما أشار إليه المازري.
والحائط: البستان (وفيه خرب) بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء جمع خربة كنعمة ونعم، وقيل: الرواية المعروفة بفتح الخاء وكسر الراء جمع خربة ككلمة وكلم (ونخل).
وهذا الحديث سبق في الصلاة في باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية وتتخذ مكانها المساجد ويأتي إن شاء الله تعالى في الهجرة.
٤٢ - باب كَمْ يَجُوزُ الْخِيَارُ؟
هذا (باب) بالتنوين (كم يجوز الخيار) بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار وهو طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه وهو أنواع منها خيار المجلس وخيار الشرط وهو خيار الثلاث فأقل فإن زاد عليها بطل العقل بلا تفريق لأنه صار شرطًا فاسدًا، وخيار الرؤية وهو شراء ما لم يره على أنه بالخيار إذا رآه وفيه قولان قاله في القديم والصواب من الجديد يصح وأفتى به البغوي والروياني، وقال في الأم والبويطي: لا يصح واختاره المزني وهو الأظهر للجهل بالمبيع وخيار العيب للمشتري عند اطّلاعه على عيب كان عند البائع ولو قبل القبض وخيار تلقي الركبان إذا وجدوا السعر أغلى مما ذكره المتلقي، وخيار تفريق الصفقة وتفريقها بتعددها في الابتداء كبيع حل وحرام أو الدوام كتلف أحد العينين قبل القبض، وخيار العجز عن الثمن بأن عجز عنه المشتري والبيع باقٍ عنده لحديث الشيخين مرفوعًا: إذا أفلس الرجل ووجد البائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء، وخيار فقد الوصف المشروط في البيع كأن ابتاع عبدًا بشرط كونه كاتبًا فبان غير كاتب فيثبت له الخيار لفوات الشرط والخيار فيما رآه قبل العقد إذا تغير عن صفته، وليس المراد بالتغير التعيب، والخيار لجهل الغصب مع القدرة على انتزاع المبيع من الغاصب ولطرآن العجز عن الانتزاع مع العلم به ولجهل كون المبيع مستأجرًا أو مزروعًا، والمراد هنا بيع الشرط والترجمة هنا معقودة لبيان مقداره.
٢١٠٧ - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعِهِمَا مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونُ الْبَيْعُ خِيَارًا». وَقَالَ نَافِعٌ: وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ.
[الحديث ٢١٠٧ - أطرافه في: ٢١٠٩، ٢١١١، ٢١١٢، ٢١١٣، ٢١١٦].
وبه قال: (حدّثنا صدقة) هو ابن الفضل المروزي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى) هو الأنصاري زاد أبو ذر ابن سعيد (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (عن ابن عمر ﵄ عن النبي ﷺ) أنه (قال):
(إن المتبايعين بالخيار في بيعهما) بنصب المتبايعين بالياء اسم إن، ولابن عساكر: إن المتبايعان بالألف، وعزاها ابن التين للقابسي وهي على لغة من أجرى المثنى بالألف مطلقًا وسقط لفظ قال لأبي ذر (ما لم يتفرقا) بالأبدان عن مكانهما الذي تبايعا فيه فيثبت لهما خيار المجلس، وما: مصدرية يعني أن الخيار ممتد زمن عدم تفرقهما، وقيل المراد التفرّق بالأقوال وهو الفراغ من العقد فإذا تعاقدا صحّ البيع ولا خيار لهما إلا أن يشترطا وتسميتهما بالمتبايعين يصح أن يكون بمعنى المتساومين من
باب تسمية الشيء بما يؤول إليه أو يقرب منه، وفيه بحث يأتي إن شاء الله تعالى في باب البيعان بالخيار، وفي رواية النسائي: ما لم يفترقا بتقديم الفاء ونقل ثعلب عن المفضل بن سلمة افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان وردّه ابن العربي بقوله تعالى: ﴿وما تفرق الذين أُوتوا الكتاب﴾ [البينة: ٤] فإنه ظاهر في التفرّق بالكلام لأنه بالاعتقاد.
وأجيب: بأنه من لازمه في الغالب لأن من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيًا لمفارقته إياه ببدنه. قال في الفتح: ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام المفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعًا.
(أو يكون البيع خيارًا) برفع يكون كما في الفرع وفي غيره بالنصب فتكون كلمة (أو) بمعنى (إلا) أي أن يكون البيع بخيار بأن يخير البائع المشتري بعد تمام العقد فليس له خيار في الفسخ وإن لم يتفرقا.
(وقال نافع) مولى ابن عمر بالإسناد السابق (وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه) الذي اشتراه منه