عاتبني أبو بكر) أي في قصة ضياع العقد وحبس الناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء (وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) فأدبها بالقول والفعل ولذا قالت: أبو بكر ولم تقل أبي لأن منزلة الأبوة تقتضي الحنوّ (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأسه على فخذي).
وهذا الحديث مطابق للجزء الثاني من الترجمة على ما لا يخفى ولم يذكر حديثًا يناسب الجزء الأول فقال في الفتح: إن الذي يظهر أنه أخلى بياضًا ليكتب فيه ما يناسبه. قال: وقد وقع في قصة أبي طلحة وأم سليم عند موت ولدهما وكتمها ذلك عنه حتى تعشى وبات معها فأخبرته بذلك فأخبر بذلك أبو طلحة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أعرستم الليلة؟ قال: نعم، وسيأتي إن شاء الله تعالى في أوائل العقيقة بعون الله وقوته.
هو في اللغة رفع القيد يقال: أطلق الفرس والأسير، وفي التسرع رفع القيد الثابت شرعًا بالنكاح فقوله شرعًا يخرج به القيد الثابت حال وهو حلّ الوثاق وبالنكاح يخرج العتق لأنه رفع قيد ثابت شرعًا لكنه لا يثبت بالنكاح واستعمل في النكاح بلفظ التفعيل وفي غيره بالإفعال ولهذا لو قال لها: أنت مطلقة بتشديد اللام لا يفتقر إلى نية ولو خففها فلا بدّ منها، ويقال طلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضًا. وعن الأخفش نفي الضم، وفي ديوان الأدب أنه لغة ويقال طلقت أيضًا بضم أوله وكسر اللام المشددة فإن خففت فهو خاص بالولادة، وفي مشروعية النكاح مصالح العباد الدينية والدنيوية، وفي الطلاق إكمال لها إذ قد لا يوافقه النكاح فيطلب الخلاص عند تباين الأخلاق وعروض البغضاء الموجبة عدم إقامة حدود الله فمكّن من ذلك رحمة منه سبحانه وفي جعله عددًا حكمة لطيفة لأن النفس كذوبة ربما تظهر عدم الحاجة إلى المرأة أو الحاجة إلى تركها وتسوّله، فإذا وقع حصل الندم وضاق الصدر به وعيل الصبر فشرعه سبحانه وتعالى ثلاثًا ليجرب نفسه في المرة الأولى فإن كان الواقع صدقها استمر حتى تنقضي العدّة وإلا أمكنه التدارك بالرجعة، ثم إذا عادت النفس فمثل الأول وغلبته حتى عاد إلى طلاقها نظر أيضًا فيما يحدث له فما يوقع الثالثة إلا وقد جرب وفقه في حال نفسه، ثم حرمها عليها بعد انتهاء العدد قبل أن تتزوج آخر ليثاب بما فيه غيظه وهو الزوج الثاني على ما عليه من جبلة الفحولية بحكمته ولطفه تعالى بعباده.
(وقول الله تعالى): وسقطت الواو لغير أبي ذر ({يا أيها النبي إذا طلقتم النساء}) خص
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنداء وعمّ بالخطاب لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إمام أمته وقدوتهم كما يقال لرئيس القوم: يا فلان افعلوا كذا إظهارًا لتقدمه فكأنه هو وحده في حكم كلهم وسادّ مسدّ جميعهم أو هو على إضمار قلّ، والتقدير يا أيها النبي قل لأمتك ومعنى إذا طلقتم النساء إذا أردتم تطليقهن على تنزيل المقبل على الأمر المشارف له منزلة الشارع فيه ({فطلقوهن لعدتهن}) أي فطلقوهن مستقبلات لعدتهن أي عند ابتداء شروعهن في العدة واللام للتوقيت كقولك: أتيته لليلة بقيت من المحرم أي مستقبلًا لها، والمراد أن يطلق المدخول بهن من المعتدات بالحيض في طهر لم يجامعهن فيه ثم يخلين حتى تنقضي عدتهن، وهذا أحسن الطلاق. وفي حديث ابن عمر عند مسلم قرأ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فطلقوهن في قبل عدتهن ({وأحصوا العدة})[الطلاق: ١] واضبطوها بالحفظ وأكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل لا نقصان فيهن يقال: (أحصيناه) أي (حفظناه وعددناه) وهذا التفسير لأبي عبيدة، وأخرج الطبري معناه عن السدي والمراد الأمر أن يحفظ ابتداء وقت العدة لئلا يلتبس الأمر فتطول المدة فتتأذى بذلك المرأة، وخوطب الزوج بذلك لغفلة النساء ثم إن الطلاق يكون بدعيًّا وسنيًّا وواجبًا ومستحبًّا ومكروهًا.
فأما السني فأشار إليه البخاري بقوله:(وطلاق السُّنّة أن يطلقها) بعد الدخول بها