أي ابن عمر (هي) أي آية الفدية (منسوخة) وهذا مذهب الجمهور خلافًا لابن عباس حيث قال: إنها ليست بمنسوخة وهي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كل يوم مسكينًا. وهذا الحكم باق وهو حجة للشافعي ومن وافقه في أن من عجز عن الصوم لهرم أو زمانة أو اشتدت عليه مشقته سقط عنه الصوم لقوله تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} [الحج: ٧٨] ولزمته الفدية خلافًا لمالك ومن وافقه. ومذهب الشافعية أن الحامل والمرضع ولو لولد غيرها بأجرة أو دونها إذا أفطرتا يجب على كل واحدة منهما مع القضاء الفدية من مالهما لكل يوم مد إن خافتا على الطفل وإن كانتا مسافرتين أو مريضتين لما روى البيهقي وأبو داود بإسناد حسن عن ابن عباس في قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقوله فدية} [البقرة: ١٨٤] أنه نسخ حكمه إلا في حقهما حينئذٍ ويستثنى المتحيرة فلا فدية عليها على الأصح في الروضة للشك، وهو ظاهر فيما إذا أفطرت ستة عشر يومًا فأقل، فإن زادت عليها فينبغي وجوب الفدية عن الزائد لعلمنا بأنه
يلزمها صومه ولا تتعدد الفدية بتعدد الولد لأنها بدل عن الصوم بخلاف العقيقة تتعدد بتعددهم لأنها فداء عن كل واحد وإن خافتا على أنفسهما ولو مع ولديهما فلا فدية. ويجب الفطر لإنقاذ محترم أشرف على الهلاك بغرق أو نحوه بقاء لمهجته مع القضاء والفدية كالمرضع لأنه فطر ارتفق به شخصان كالجماع لأنه تعلق به مقصود الرجل والمرأة فلذا تعلق به القضاء والكفارة.
٤٠ - باب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ؟
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥]، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي صَوْمِ الْعَشْرِ: لَا يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ، وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ، إِنَّمَا قَالَ: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
هذا (باب) بالتنوين (متى يقضى) أي متى يؤدى (قضاء رمضان)؟ والقضاء يجيء بمعنى الأداء قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة) أي فإذا أديت الصلاة، (وقال ابن عباس): -رضي الله عنهما- فيما وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري (لا بأس أن يفرّق)، قضاء رمضان (لقول الله تعالى {فعدّة من أيام أخر} لصدقها على المتتابعة والمتفرقة.
(وقال سعيد بن المسيب) -رحمه الله- فيما وصله ابن أبي شيبة (في صوم العشر): الأوّل من ذي الحجة لما سئل عن صومه والحال أن على الذي سأله قضاء من رمضان (لا يصلح حتى يبدأ برمضان). أي بقضاء صومه، وهذا لا يدل على المنع بل على الأولوية والقياس التتابع إلحاقًا لصفة القضاء بصفة الأداء وتعجيلاً لبراءة الذمة ولم يجب لإطلاق الآية كما مرّ. وروى الدارقطني بإسناد ضعيف أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سئل عن قضاء رمضان فقال "إن شاء فرقه وإن شاء تابعه" قال في المهمات: وقد يجب بطريق العرض وذلك في صورتين ضيق الوقت وتعمد الترك وردّ بمنع تسمية هذا موالاة إذ لو وجبت لزم كونها شرطًا في الصحة كصوم الكفارة وإنما يسمى هذا واجبًا مضيقًا. ولصاحب المهمات أن يمنع الملازمة ويسند المنع بأن الموالاة قد تجب ولا تكون شرطًا كما في صوم رمضان ولا يمنع من تسمية ذلك موالاة تسميته واجبًا مضيقًا.
(وقال إبراهيم) النخعي مما وصله سعيد بن منصور: (إذا فرّط) من عليه قضاء رمضان (حتى جاء) من المجيء، ولأبي ذر عن الكشميهني: حتى جاز بزاي بدل الهمزة من الجواز، وفي نسخة: حان بمهملة ونون من الحين (رمضان آخر) بتنوين رمضان لأنه نكرة (يصومهما)، وفي بعض الأصول حتى جاء رمضان بغير تنوين أمر بصومهما من الأمر والموحدة بدل التحتية. قال البخاري: (ولم ير) أي إبراهيم (عليه طعامًا). وهو مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
(ويذكر) بضم أوله مبنيًا للمفعول (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- حال كونه (مرسلاً)، فيما وصله عبد الرزاق وأخرجه الدارقطني مرفوعًا من طريق مجاهد عن أبي هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يسمع مجاهد من أبي هريرة كما ذكره البرديجي فلذا سماه البخاري مرسلاً (و) يذكر أيضًا (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله سعيد بن منصور والدارقطني (أنه يطعم) عن كل يوم مسكينًا مدا أو يصوم ما أدركه وما فاته قيل عطف ابن عباس على أبي هريرة يقتضي أن يكون المذكور عن ابن عباس أيضًا مرسلاً.
وأجيب: بأنه اختلف في أن القيد في المعطوف عليه هل هو قيد في المعطوف أم لا؟ فقيل: ليس بقيد والأصح اشتراكهما