للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يده) من جسده أي: هل لاقت مكانًا طاهرًا منه أو نجسًا بثرة أو جرحًا أو أثر الاستنجاء بالأحجار بعد بلل المحل أو اليد بنحو عرق، ومفهومه أن من درى أين باتت يده كمن لفّ عليها خرقة مثلاً فاستيقظ وهي على حالها أنه لا كراهة. نعم يستحب غسلهما في الماء القليل، فقد صح عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلهما قبل إدخالهما في الإناء في حالة اليقظة فاستحبابه بعد النوم أولى، ومن قال كمالك إن الأمر للتعبد لا يفرق بين شاكٍّ ومتيقن، والأمر في قوله: فليغسل للندب عند الجمهور، فإنه علّله بالشك في قوله: فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده، والأمر المضمن بالشك لا يكون واجبًا في هذا الحكم استصحابًا لأصل الطهارة، وحمله الإمام أحمد رحمه الله على الوجوب في نوم الليل دون نوم النهار لقوله في آخر الحديث: أين باتت يده، لأن حقيقة المبيت تكون في الليل، ووقع التصريح به في رواية أبي داود بلفظ: إذا قام أحدكم من الليل، وكذا عند الترمذي وأجيب: بأن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل، وإنما خصّ نوم الليل بالذكر للغلبة.

قال الرافعي في شرح المسند: يمكن أن يقال الكراهة في الغمس لمن نام ليلاً أشد منها لمن نام نهارًا لأن الاحتمال في نوم الليل أقرب لطوله عادة وليس الحكم مختصًّاً بالنوم، بل المعتبر الشك في نجاسة اليد، واتفقوا على أنه لو غمس يده لم يضرّ الماء خلافًا لإسحاق وداود وغيرهما، وحيث ثبتت الكراهة فلا تزول إلا بتثليث الغسل كما نص عليه في البويطي، وهي المطلوبة عند كل وضوء. قال الإمام: حتى لو كان يتوضأ من قمقمة فيستحب غسلها احتياطًا لتوقع خبث وإن بعد لا للحدث واحترز بالإناء عن البرك والحياض، ويستفاد من الحديث استحباب غسل النجاسات ثلاثًا لأنه إذا أمر به في المشكوك ففي المحقق أولى، والأخذ بالاحتياط في العبادات وأن الماء ينجس بورود النجاسة عليه وفي الإضافة إلى المخاطبين في قوله: فإن أحدكم إشارة إلى مخالفة نومه عليه الصلاة والسلام لذلك فإن عينه تنام ولا ينام قلبه.

وهذا الحديث أخرجه الستة، وهاهنا تنبيه وهو أنه ينبغي للسامع لأقواله عليه الصلاة والسلام أن يتلقاها بالقبول ودفع الخواطر الرادّة لها، فقد بلغنا أن شخصًا سمع هذا الحديث فقال: وأين تبيت يده منه فاستيقظ من النوم ويده داخل دبره محشوّة فتاب عن ذلك وأقلع، فنسأل الله تعالى أن يحفظ قلوبنا من الخواطر الرديئة والله الموفّق.

٢٧ - باب غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَا يَمْسَحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ

(باب غسل الرجلين) زاد أبو ذر فيما أفاده في الفتح (ولا يمسح على القدمين) أي إذا كانتا عاريتين وهي كذا في الفرع ثابتة من غير تعيين.

١٦٣ - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنَّا فِي سَفْرَةٍ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الْعَصْرَ، فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا. فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ «وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.

وبه قال: (حدّثنا) بالجمع وفي رواية أبي ذر حدّثني (موسى) بن إسماعيل التبوذكي (قال: حدّثنا) وفي رواية الأصيلي أخبرنا (أبو عوانة) بفتح العين المهملة الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون العجمة واسمه جعفر بن أبي وحشية الواسطي (عن يوسف بن ماهك) بكسر الهاء وفتحها منصرفًا وغير منصرف كما مرّ (عن عبد الله بن عمرو) أي ابن العاص رضي الله عنه أنه (قال):

(تخلّف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنّا في سفرة) من مكة إلى المدينة في حجة الوداع أو عمرة القضية، (فأدركنا) بفتح الكاف أي لحق بنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي رواية كريمة وأبي الوقت في سفرة سافرناها فأدركنا (وقد أرهقنا العصر) بسكون القاف من الإرهاق ونصب العصر مفعوله أي أخّرناها حتى دنا وقتها وهذه رواية أبي ذر، ولكريمة والأصيلي أرهقتنا بتأنيث الفعل العصر بالرفع على الفاعلية ولمسلم

رجعنا مع رسول الله "-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر أي قرب دخول وقتها فتوضؤوا وهم عجال الحديث (فجعلنا نتوضأ ونمسح على أرجلنا) بالجمع مقابلة للجمع فالأرجل موزعة على الرجال (فنادى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بأعلى صوته: ويل) دعاء بوادٍ في جهنم (للأعقاب) أي لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها (من النار) أو العقاب خاص بالأعقاب إذا قصر في غسلها والألف واللام في الأعقاب للعهد أي الأعقاب المرئية إذ ذاك، والعقب مؤخر القدم (مرتين أو ثلاثًا) أي نادى مرتين أو ثلاثًا واستنبط من هذا الحديث الرد على الشيعة القائلين

<<  <  ج: ص:  >  >>