بوعده الصدق، لا عقليًّا إذ لا يجب على الله شيء (فمنا من مات لم يكل من أجره) من الغنائم التي تناولها من أدرك زمن الفتوح (شيئًا) بل قصر نفسه عن شهواتها لينالها متوفرة في الآخرة (منهم: مصعب بن عمير) بضم العين وفتح الميم: ابن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي قصي (ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح النون أي: أدركت ونضجت (له ثمرته) ولأبي ذر: ثمرة (فهو يَهدِبها) بفتح المثناة التحتية وسكون الهاء وتثليث الدال، أي: يجنيها. وعبر بالمضارع ليفيد استمرار الحال الماضية والآتية استحضارًا له في مشاهدة السامع.
(قتل) أي: مصعب (يوم أُحد) قتله عبد الله بن قميئة، والجملة استئنافية (فلم نجد له ما نكفنه) زاد أبو ذر: به (إلاّ بردة، إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا) بها (رجليه خرج رأسه) لقصرها، (فأمر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن نغطي رأسه) بطرف البردة (وأن نجعل على رجليه من الإذخر) بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة والراء، نبت حجازي طيب الرائحة.
وفي الحديث من الفوائد: أن الواجب من الكفن ما يستر العورة، قال في المجموع، واحتمال أنه لم يكن له غير النمرة مدفوع بأنه بعيد ممن خرج للقتال، وبأنه لو سلم ذلك لوجب تتميمه من بيت المال، ثم من المسلمين. اهـ.
وقد يقال: أمرهم بتتميمه بالإذخر. وهوَ ساتر، ويجاب: بأن التكفين به لا يكفي إلاّ عند
تعذر التكفين بالثوب، كما صرح به الجرجاني، لما فيه من الإزراء بالميت، على أنه ورد في أكثر طرق الحديث أنه قتل يوم أُحد، ولم يخلف إلاّ نمرة.
وبالجملة، فالأصح أن أقل الكفن ساتر العورة. لكن استشكل الأسنوي الاقتصار على ساتر العورة، بما في النفقات، من أنه لا يحل الاقتصار في كسوة العبد على ساتر العورة، وإن لم يتأذ بحر أو برد، لأنه تحقير وإذلال، فامتناعه في الميت الحر أولى.
وأجيب عنه: بأنه لا أولوية، بل ولا تساوي. إذ للغرماء منع الزيادة على الثوب الواحد، والحر المفلس يبقى له ما يجمله لاحتياجه إلى التجمل للصلاة، وبين الناس، ولأن الميت يستر بالتراب عاجلاً بخلاف العبد.
والأولى أن يجاب: بأنه لا فرق بين المسألتين إذ عدم الجواز في تلك ليس لكونه حقًا لله تعالى في الستر، بل لكونه حقًا للعبد. حتى إذا أسقطه جاز.
وفي الحديث أيضًا بيان فضيلة مصعب بن عمير، وأنه ممن لم ينقص له من ثواب الآخرة شيء.
٢٩ - باب مَنِ اسْتَعَدَّ الْكَفَنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ
(باب من استعد الكفن) أي: أعده، وليست السين للطلب (في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم ينكر عليه) بفتح الكاف مبنيًّا للمفعول، كذا في الفرع وأصله، وفي نسخة: فلم ينكر بكسرها على أن فاعل الإنكار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
١٢٧٧ - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا. أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ قَالُوا: الشَّمْلَةُ. قَالَ: نَعَمْ. قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي، فَجِئْتُ لأَكْسُوَكَهَا، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ فَقَالَ: اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا. قَالَ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لأَلْبَسَهَا، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي. قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ". [الحديث ١٢٧٧ - أطرافه في: ٢٠٩٣، ٥٨١٠، ٦٠٣٦].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال: حدّثنا ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم، سلمة بن دينار الأعرج القاص، من عباد أهل المدينة وزهادهم (عن سهل) هو: ابن سعد الساعدي (رضي الله عنه):
(أن امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (جاءت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ببردة منسوجة فيها حاشيتها) رفع بقوله منسوجة، واسم المفعول يعمل عمل فعله، كاسم الفاعل أي: أنها لم تقطع من ثوب فتكون بلا حاشية، أو أنها جديدة لم يقطع هدبها ولم تلبس بعد.
قال سهل:- (أتدرون) بهمزة الاستفهام، ولأبوي ذر، والوقت: تدرون بإسقاطها (ما البردة؟ قالوا: الشملة. قال) سهل: (نعم) هي، وفي تفسيره بها تجوّز لأن البردة كساء، والشملة ما يشتمل به، فهي أعم. لكن لما كان أكثر اشتمالهم بها أطلقوا عليها اسمها.
(قالت) أي: المرأة للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نسجتها) أي: البردة (بيدي) حقيقة أو مجازًا (فجئت لأكسوكها فأخذها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (محتاجًا إليها) وعرف ذلك بقرينة حال، أو تقدم قول صريح (فخرج) عليه الصلاة والسلام (إلينا وإنها إزاره) وفي رواية هشام بن عمار، عن عبد العزيز عند ابن ماجة: فخرج إلينا فيها. وعند الطبراني من رواية هشام بن سعد عن أبي حازم: فاتزر بها ثم خرج (فحسنها) أي نسبها إلى الحسن، وللمصنف في اللباس، من طريق