إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأله عن خراجه الحديث وحكى ابن عبد البر: أن اسم أبي طيبة دينار ووهموه في ذلك لأن دينار الحجام تابعي فعند ابن منده من طريق بسام الحجام عن دينار الحجام عن أبي طيبة الحجام قال: حجمت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحديث، وبذلك جزم أبو أحمد الحاكم في الكنى أن دينارًا الحجام يروي عن أبي طيبة لا أنه طيبة نفسه، وذكر البغوي في الصحابة بإسناد ضعيف أن اسم أبي طيبة ميسرة. وقال العسكري: الصحيح أنه لا يعرف اسمه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر له بصاع من تمر وأمر أهله) وفي باب ضريبة العبد من الإجارة وكلم مواليه وهم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود، وإنما جمع على طريق المجاز كما يقال بنو فلان قتلوا رجلاً ويكون القاتل واحدًا، وأما ما وقع في حديث جابر أنه مولى بني بياضة فهو وهم فإن مولى بني بياضة آخر يقال له أبو هند (أن يخففوا من خراجه) بفتح الخاء المعجمة ما يقرره السيد على عبده أن يؤدّيه إليه كل يوم أو شهر أو نحو ذلك وكان خراجه ثلاثة آصع فوضع عنه صاعًا كما في حديث رواه الطحاوي وغيره وفيه جواز الحجامة وأخذ الأجرة عليها. وحديث النهي عن كسب الحجام محمول على التنزيه والكراهة إنما هي على الحجام لا على المستعمل له لضرورته إلى الحجامة وعدم ضرورة الحجام لكثرة غير الحجامة من الصنائع ولا يلزم من كونها من المكاسب الدنيئة أن لا تشرع فالكساح أسوأ حالاً من الحجام ولو تواطأ الناس على تركه لأضرّ بهم.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في البيوع.
٢١٠٣ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ - هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ - حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد هو ابن عبد الله) الطحان الواسطي قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء البصري (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الذي حجمه) أي صاعًا من تمر كما في السابق وحذفه (ولو كان) أي الذي أعطاه من الأجرة (حرامًا لم يعطه) وهو نص في إباحة أجر الحجام وفيه استعمال الأجير من غير تسمية أجره وإعطاؤه قدرها وأكثر أو كان قدرها معلومًا فوقع العمل على العادة.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة وأبو داود في البيوع.
٤٠ - باب التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
(باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال والنساء) إذا كان مما ينتفع به غير من كره له لبسه أما ما لا منفعة فيه شرعية فلا يجوز بيعه أصلاً على الراجح.
٢١٠٤ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "أَرْسَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى عُمَرَ -رضي الله عنه- بِحُلَّةِ حَرِيرٍ -أَوْ سِيرَاءَ- فَرَآهَا عَلَيْهِ فَقَالَ: إِنِّي لَمْ أُرْسِلْ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا إِنَّمَا يَلْبَسُهَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ، إِنَّمَا بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِهَا. يَعْنِي تَبِيعُهَا".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو بكر بن حفص) هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص الزهري (عن سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (عن أبيه) عبد الله أنه (قال: أرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عمر -رضي الله عنه- بحلة حرير) بضم الحاء المهملة واحدة الحلل وهي برود اليمن ولا تكون الحلة إلا من ثوبين من جنس واحد، ويجوز إضافة حلة لحرير فيسقط التنوين وهو أحد الوجهين في الفرع (أو سيراء) بكسر السين وفتح المثناة التحتية ممدودًا برد فيه خطوط صفر أو حرير محض وهو صفة للحلة أو عطف بيان، لكن قال بعضهم إنما هو حلة سيراء بالإضافة لأن سيبويه قال لم يأت فعلاء صفة لكن اسمًا. وقال عياض: إنه ضبطه بالإضافة عن متقني شيوخه، وقال النووي: إنه قول المحققين ومتقني العربية وإنه من إضافة الشيء لصفته كما قالوا ثوب خز انتهى. والأكثرون على تنوين حلة، وجزم القرطبي بأنه الرواية (فرآها) عليه الصلاة والسلام (عليه) أي على عمر (فقال):
(إني لم أرسل بها) بالحلة (إليك لتلبسها إنما يلبسها من لا خلاق له) أي من الرجال في الآخرة أو هو عام فيدخل فيه الرجال والنساء، فيطابق الترجمة، لكن النهي عن الحرير خاص بالرجال، فيدل للجزء الأول من الترجمة (إنما بعثت إليك بها لتستمتع) ولابن عساكر: تستمتع (بها يعني تبيعها) وفي اللباس من وجه إنما بعثت بها إليك لتبيعها أو لتكسوها.
قال في الفتح: وهو واضح فيما ترجم له هنا من جواز بيع