موسى فدلّ على أنه يعمل بخبر الواحد، وأن بعض السنن كان يخفى على بعض الصحابة وأن الشاهد يبلغ الغائب ما شهده وأن الغائب يقبله ممن حدّثه به ويعتمده ويعمل به، لا يقال طلب عمر البيّنة يدل على أنه لا يحتج بخبر الواحد لأنه مع انضمام أي سعيد إليه لا يصير متواترًا كما لا يخفى.
والحديث سبق في الاستئذان في باب التسليم والاستئذان.
وبه قال:(حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثني) بالإفراد (الزهري) محمد بن مسلم (أنه سمع من الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (يقول: أخبرني) بالإفراد (أبو هريرة)﵁(قال: إنكم تزعمون أن أبا هريرة) تقولون إن أبا هريرة (يكثر الحديث على رسول الله ﷺ والله الموعد) يوم القيامة يظهر أنكم على الحق في الإنكار أو أني عليه في الإكثار والجملة معترضة، ولا بدّ في التركيب من تأويل لأن مفعلاً للمكان أو الزمان أو المصدر ولا يصح هنا إطلاق شيء منها فلا بد من إضمار أو تجوّز يدل عليه المقام قاله البرماوي الكرماني (إني كنت امرأً مسكينًا) من مساكين الصفة (ألزم) بفتح الهمزة والزاي واللام بينهما ساكنة (رسول الله ﷺ على ملء بطني) مقتنعًا بالقوت فلم يكن لي غيبة عنه يعني أنه كان لا ينقطع عنه خشية أن يفوته القوت (وكان المهاجرون يشغلهم الصفق) البيع (بالأسواق) ويشغلهم بفتح ياء المضارعة والغين المعجمة من الثلاثي وعبر بالصفق عن التبايع لأنهم كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارة لانبرام البيع فإذا تصافقت الأكف انتقلت الأملاك واستقرّت كل يد منهما على ما صار لكل واحد منهما من ملك صاحبه (وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم) في الزراعة زاد في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا (فشهدت من رسول الله ﷺ ذات يوم وقال):
(من يبسط) بلفظ المضارع مجزومًا ولأبي ذر عن الكشميهني من بسط بلفظ الماضي (رداءه) وفي المزارعة ثوبه (حتى أقضي مقالتي) زاد في المزارعة هذه (ثم يقبضه) بالرفع وفي اليونينية بالجزم وفي المزارعة ثم يجمعه (فلن ينس) بغير تحتية بعد السين مصلحة في الفرع على كشط. قال السفاقسي: إنه وقع كذلك بالنون وبالجزم في الرواية وذكر أن القزاز نقل عن بعض العرب من يجزم بلن اهـ. وفي بعض النسخ المعتمدة فلن ينسى بإثباتها خطأ وهو الذي في اليونينية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فلم بحرف الجزم بدل حرف النصب ينس (شيئًا سمعه مني) قال أبو هريرة (فبسطت بردة كانت عليّ) بتشديد الياء (فو) الله (الذي بعثه) إلى الخلق (بالحق ما نسيت شيئًا سمعته منه). بعد أن جمعتها إلى صدري.
ومباحث الحديث سبقت غير مرة ومطابقته للترجمة من جهة كون أبي هريرة أخبر عن النبي ﷺ من أقواله وأفعاله ما غاب عنه كثير من الصحابة ولما بلغهم ما سمعه قبلوه وعملوا به فدل على قبول خبر الواحد والعمل به وفيه رد على مشترطي التواتر وإنه كان يعزب على المتقدم في الصحبة الشريفة الواسع العلم ما يعلمه غيره مما سمعه منه ﷺ أو اطلع عليه فمن ذلك حديث أبي بكر الصدّيق مع جلالة قدره حيث لم يعلم النص في الجدّة حتى أخبره محمد بن مسلمة والمغيرة بالنص فيها، وهو في الموطأ وحديث عمر في الاستئذان المذكور في هذا الباب إلى غير ذلك مما في تتبعه طول يخرج عن الاختصار.
وفي حديث البراء بسند صحيح ليس كلنا كان يسمع الحديث من النبي ﷺ كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن كان الناس لا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب والله الموفق والمعين.
(باب من رأى ترك النكير) بفتح النون وكسر الكاف أي الإنكار (من النبي ﷺ) لما يفعل بحضرته أو يقال ويطلع عليه (حجة) لأنه لا يقرّ أحدًا على باطل سواء استبشر به مع ذلك أم لا لكن دلالته مع الاستبشار أقوى، وقد تمسك الشافعي في القيافة واعتبارها في النسب بكِلا الأمرين