فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع) للراحة من تعب القيام.
والشرط مع الجزاء جواب الشرط الأول، ولا منافاة بين قول عائشة: كان يصلّي جالسًا، وبين نفي حفصة المروي في الترمذي: ما رأيته صلّى في سبحته قاعدًا حتى قبل وفاته بعام، فكان يصلّي في سبحته قاعدًا لأن قول عائشة: كان يصلّي جالسًا لا يلزم منه أن يكون صلّى جالسًا قبل وفاته بأكثر من عام، لأن كان لا تقتضي الدوام، بل ولا التكرار على أحد القولين عند أهل الأصول.
ولئن سلمنا أنه صلّى قبل وفاته بأكثر من عام جالسًا فلا تنافي، لأنها إنما نفت رؤيتها، لأن وقوع ذلك في الجملة.
قال في الفتح: ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائمًا، كما يباح له أن يفتتحها قاعدًا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، ولا سيما مع وقوع ذلك منه، ﷺ في الركعة الثانية، خلافًا لمن أبى ذلك. واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعًا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله.
﷽
[١٩ - كتاب التهجد]
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثباتها في غير رواية أبي ذر.
١ - باب التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ، وَقَوْلِهِ ﷿: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ﴾
(باب التهجد) أي: الصلاة (بالليل) وأصله ترك الهجود، وهو النوم. قال ابن فارس: المتهجد: المصلي ليلاً. وللكشميهني: من الليل، وهو أوفق للفظ القرآن، (وقوله ﷿ بالجر، عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة، وبالرفع على الاستئناف: (﴿ومن الليل﴾) أي: بعضه (﴿فتهجد به﴾) أي: اترك الهجود للصلاة: كالتأثم والتحرج، والضمير للقرآن (﴿نافلة لك﴾) [الإسراء: ٧٩]. فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، خصصت بها من بين أمتك.
روى الطبراني بإسناد ضعيف، عن ابن عباس: أن النافلة للنبي ﷺ خاصة لأنه أمر بقيام الليل، وكتب عليه دون أمته.
لكن صحّح النووي أنه نسخ عنه التهجد، كما نسخ عن أمته قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، وهو الأصح، والصحيح.
ففي مسلم عن عائشة ما يدل عليه. أو فضيلة لك، فإنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر شيئًا. وترجع التكاليف كلها في حقه ﵊ قرة عين وإلهام طبع، وتكون صلاته في الدنيا مثل تسبيح أهل الجنة في الجنة، ليس على وجه الكلفة، ولا التكليف وهذا كله مفرع على طريقة إمام الحرمين.
وأما طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا لوجب، وإن لم يكن وعيد، فلا يمتنع
حينئذ بقاء التكاليف في حقه، ﵊، على ما كانت عليه، مع طمأنينته، ﵊. من ناحية الوعيد، وعلى كلا التقديرين فهو معصوم، ولا عتب ولا ذنب.
لا يقال: إنه لم يأمره أن يستغفر في قوله تعالى: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾ [النصر: ٣].
ونحوه إلا مما يغفره له، لأنا نقول استغفاره تعبد على الفرض، والتقدير، أي: أستغفرك مما عساه أن يقع لولا عصمتك إياي.
وزاد أبو ذر في رواية تفسير قوله تعالى: ﴿فتهجد به﴾ أي: اسهر به.
١١٢٠ - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ ﷺ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ «وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ سُفْيَانُ قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
[الحديث ١١٢٠ - أطرافه في: ٦٣١٧، ٧٣٨٥، ٧٤٤٢، ٧٤٩٩].
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا سليمان بن أبي مسلم) المكي الأحول (عن طاوس) هو ابن كيسان أنه (سمع ابن عباس، ﵄، قال):
(كان النبي ﷺ، إذا قام من الليل) حال كونه (يتهجد) أي: من جوف الليل، كما في رواية مالك، عن أبي الزبير، عن عائشة (قال) في موضع نصب خبر كان أي: كان ﵊، عند قيامه من الليل متهجدًا يقول. وقال الطيبي: الظاهر أن قال، جواب إذا، والجملة الشرطية خبر كان.
(اللهم لك الحمد، أنت قيم السنوات والأرض ومن فيهن) وفي رواية أبي الزبير المذكورة، قيام بالألف، ومعناه: والسابق والقيوم، معنى واحد.
وقيل: القيم: معناه القائم بأمور الخلق، ومدبرهم، ومدبر العالم في جميع أحواله، ومنه قيم
الطفل. والقيوم: هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، ويقوم به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا به. قال التوربشتي: والمعنى: أنت الذي تقوم بحفظها، وحفظ من أحاطت به، واشتملت عليه، تؤتي كلامًا به قوامه، وتقوم على كل شيء من خلقك بما تراه من تدبيرك، وعبّر بقوله: