عن أنس بن مالك، ﵁، قال: قال رسول الله، ﷺ):
(ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة لم) ولغير أبي ذر، وابن عساكر: ثلاثة من الولد لم (يبلغوا الحنث، إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم). استدلّ بتعليله ﵊، دخول الآباء الجنة برحمته الأولاد، وشفاعتهم في آبائهم، على أولاد المسلمين في الجنة. وبه قطع الجمهور، وشذت الجبرية، فجعلوهم تحت المشيئة، وهذه السنة تردّ عليهم، وأجمع عليه من يعتدّ به.
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد في زيادات السند، عن عليّ، مرفوعًا: إن المسلمين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار. ثم قرأ ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ [الطور: ٢١] الآية. وهذا أصح ما ورد في تفسير هذه الآية، وبه جزم ابن عباس. ويستحيل أن يكون الله تعالى يغفر لآبائهم بفضل رحمته إياهم وهم غير مرحومين.
وأما حديث عائشة، ﵂، عند مسلم: توفي صبي من الأنصار، فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه. فقال النبي ﷺ، أو غير ذلك يا عائشة، إن الله تعالى خلق للجنة أهلاً خلقهم لها، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم. فالجواب عنه من وجهين.
أحدهما: أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع على ذلك، كما أنكر على سعد بن أبي وقاص في قوله: إني لأراه مؤمنا. فقال: أو مسلمًا … الحديث.
الثاني: أنه، ﵊، لعله لم يكن حينئذٍ اطلع على أنهم في الجنة، ثم أعلم بعد ذلك.
ومحل الخلاف في غير أولاد الأنبياء، أما أولاد الأنبياء، فقال المازري: الإجماع متحقق على أنهم في الجنة.
١٣٨٢ - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْبَرَاءَ ﵁ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ﵇ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا فِي الْجَنَّةِ».
[الحديث ١٣٨٢ - طرفاه في: ٣٢٥٥، ٦١٩٥].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي، قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري الكوفي التابعي، المشهور. وثقه أحمد، والنسائي، والعجلي، والدارقطني إلا أنه كان يغلو في التشيع، لكن احتج به الجماعة، ولم يخرج له في الصحيح شيئًا مما يقوي بدعته (أنه سمع البراء) بن عازب (﵁، قال):
(لما توفي إبراهيم) ابن رسول الله ﷺ ﵇، قال رسول الله ﷺ: إن له مرضعًا في الجنة) بضم الميم، أي: من يتم رضاعه، وعند الإسماعيلي مرضعًا ترضعه في الجنة. قال الخطابي: روي بفتح الميم مصدرًا، أي: رضاعًا، وتحذف الهاء من مرضع إذا كان من شأنها ذلك، وتثبت إذا كان بمعنى تجدد فعلها.
وفي مسند الفريابي: أن خديجة، ﵂، دخل عليها رسول الله ﷺ، بعد موت القاسم، وهي تبكي، فقالت: يا رسول الله، درت لبينة القاسم، فلو كان عاش حتى يستكمل الرضاعة لهوّن عليّ؟ فقال: إن له مرضعًا في الجنة يستكمل رضاعته، فقالت: لو أعلم ذلك لهوّن علّي، فقال: إن شئت أسمعتك صوته في الجنة. فقالت: بل أصدّق الله ورسوله.
قال السهيلي: وهذا من فقهها، ﵂، كرهت أن تؤمن بهذا الأمر معاينة، فلا يكون لها أجر الإيمان بالغيب، نقله في المصابيح.
٩٣ - باب مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ
(باب ما قيل في أولاد المشركين) غير البالغين.
١٣٨٣ - حَدَّثَنَا حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵃ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: اللَّهُ إِذْ خَلَقَهُمْ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ".
[الحديث ١٣٨٣ - طرفه في: ٦٥٩٧].
وبالسند قال: (حدّثنا حبان) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ولأبي ذر: حدّثني، بالإفراد، حبان بن موسى المروزي، قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة، جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ﵄، قال):
(سئل رسول الله، ﷺ، عن أولاد المشركين) لم يعلم ابن حجر اسم السائل، لكن يحتمل أن يكون عائشة، لحديث أحمد وأبي داود، عنها، أنها قالت: قلت: يا رسول الله ذراري المسلمين … الحديث.
وعند عبد الرزاق، بسند ضعيف، عنها أيضًا: أنها قالت: سألت خديجة النبي، ﷺ عن أولاد المشركين، فقال: هم مع آبائهم. ثم سألته بعد ذلك الحديث. (فقال):
(الله إذ خلقهم) أي: حين خلقهم. قال في المصابيح: وإذ تتعلق بمحذوف، أي: علم ذلك إذ خلقهم. والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر، ولا يصح تعلقها بأفعل التفضيل لتقدمها عليه، وقد يقال بجوازه مع