الشرط والجزاء لأنّا نقول ليس الجزاء هنا نفس الشرط وإنما الجزاء محذوف أقيم هذا المذكور مقامه وتأوّله ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا، وفيه بحث سبق أوّل هذا الكتاب وأواخر الإيمان فليراجع.
وتنقسم النية إلى أقسام كثيرة: كالتعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، والتمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا فإنه يحتمل الهبة والقرض والوديعة والإباحة ونحوها، ويحتمل أن يكون من وفاء الدين وكذا في مواضع من المعاملات ونحوها: ككناية البيع والطلاق فإنه لو لم ينوِ الطلاق لم يقع وكمن أكره على الكفر فتكلم به وهو ينوي خلافه فإنه لا يكفر ونحو ذلك مما هو معروف في كتب الفقه.
وزعم قوم أن الاستدلال بالحديث في غير العبادات غير صحيح لأنه إنما جاء في اختلاف مصارف وجوه العبادات، والجواب أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
واستنبط المؤلّف منه عدم وقوع العتاق والطلاق من الناسي والمخطئ لأنه لا نيّة لهما ولا يحتاج صريح الطلاق إلى نيّة لأن الصريح موضوع للطلاق شرعًا فكان حقيقة فيه فاستغنى عن النية، وقال الحنفية: طلاق الخاطئ والناسي والهازل واللاعب والذي تكلم به من غير قصد واقع لأنه كلام صحيح صادر من عاقل بالغ.
٧ - باب إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ هُوَ لِلَّهِ وَنَوَى الْعِتْقَ، وَالإِشْهَادُ فِي الْعِتْقِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لعبده) ولغير أبوي ذر والوقت: إذا قال رجل لعبده (هو لله و) الحال أنه (نوى العتق) صح (والإشهاد بالعتق) بجرّ الإشهاد في الفرع وأصله أي وباب الإشهاد وهو مشكل لأنه إن قدر منوّنًا احتاج إلى خبر وإلا لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد. ومن ثم قال العيني: ومن جر الإشهاد فقد جر ما لا يطيق حمله، وفي نسخة: والإشهاد بالرفع أي وباب بالتنوين يذكر فيه الإشهاد وهذا هو الوجه.
٢٥٣٠ - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلَامَ -وَمَعَهُ غُلَامُهُ- ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غُلَامُكَ قَدْ أَتَاكَ، فَقَالَ: أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ فَهُوَ حِينَ يَقُولُ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
[الحديث ٢٥٣٠ - أطرافه في: ٢٥٣١، ٢٥٣٢، ٤٣٩٣].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني بسكون الميم الكوفي أبو عبد الرحمن (عن محمد بن بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي خالد سعد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أي حازم بالحاء المهملة والزاي واسمه عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه لما أقبل) حال كونه (يريد الإسلام) وكان مقدمه فيما قاله الفلاس عام خيبر وكان في
المحرم سنة سبع وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر (ومعه غلامه) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (ضلّ) أي تاه (كل واحد منهما من صاحبه) فذهب إلى ناحية (فأقبل) أي الغلام (بعد ذلك) ولأبي ذر: بعد ذاك (وأبو هريرة جالس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك فقال: أما) بفتح الهمزة وتخفيف الميم أي حقًّا (إني أشهدك أنه حر. قال فهو حين يقول) أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة: (يا ليلة من طولها وعنائها) بفتح العين المهملة وتخفيف النون ممدودًا تعبها ومشقتها (على أنها من دارة الكفر) أي الحرب (نجت) وهذا من بحر الطويل وفيه الخرم بالمعجمة والراء الساكنة وهو أن يحذف من أول الجزء حرف لأن أصله: فيا ليلة. وهذا الشعر لأبي هريرة أو لغلامه، أو لأبي مرثد الغنوي تمثل به أبو هريرة وفيه التألم من النصب والسفر.
٢٥٣١ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلَامٌ لِي فِي الطَّرِيقِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلَامُكَ. فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ، فَأَعْتَقْتُهُ".
لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ "حُرٌّ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن سعيد) السرخسي اليشكري أبو قدامة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أريد الإسلام (قلت في الطريق):
(يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر نجت)
(قال) أبو هريرة (وأبق) بفتحات وحكى ابن القطاع كسر الموحدة أي هرب (مني غلام لي في الطريق قال) أبو هريرة: (فلما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بايعته) على الإسلام، ولأبي ذر: فبايعته (فبينا) بغير ميم (أنا عنده) وجواب بينا قوله (إذ طلع الغلام فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):