بطال على ذلك، بكونه ﵊ أخّرها في الخندق حتى صلاها كاملة، لما كان فيه من شغل الحرب. فكذا الحال التي هي أشد.
وأجيب: بأن صلاة الخوف، إنما شرعت بعد الخندق.
(وبه) أي: وبقول الأوزاعي (قال مكحول) الدمشقي التابعي، مما وصله عبد بن حميد في تفسيره عنه من طريق الأوزاعي بلفظ: إذا لم يقدر القوم على أن يصلوا على الأرض صلوا على ظهر الدواب ركعتين، فإن لم يقدروا فركعة وسجدتين، فإن لم يقدروا أخّروا الصلاة حتى يأمنوا فيصلوا بالأرض. (وقال أنس) ولأبي ذر، وقال أنس بن مالك، مما وصله ابن سعد وعمر بن شبة من طريق
قتادة: (حضرت عند مناهضة) ولابن عساكر: حضرت مناهضة (حصن تستر) بمثناتين فوقيتين، أولاهما مضمومة والثانية مفتوحة، بينهما سين مهملة ساكنة آخره راء، مدينة مشهورة من كور الأهواز، فتحت سنة عشرين في خلافة عمر (عند إضاءة الفجر -واشتد اشتعال القتال-) بالعين المهملة، وتشبيه القتال بالنار: استعارة بالكناية، (فلم يقدروا على الصلاة) لعجزهم عن النزول، أو عن الإيماء، فيوافق السابق عن الأوزاعي، أو أنهم لم يجدوا إلى الوضوء سبيلاً من شدّة القتال، وبه جزم الأصيلي، (فلم نصلّ إلا بعد ارتفاع النهار) في رواية عمر بن شبة: حتى انتصف النهار (فصليناها، ونحن مع أبي موسى) الأشعري (ففتح لنا) الحصن.
(وقال) وللأصيلي: فقال، ولأبوي ذر والوقت، وابن عساكر: قال (أنس) هو ابن مالك: (وما يسرّني بتلك الصلاة) أي بدل تلك الصلاة ومقابلها، فالباء للبدلية، كقوله:
فليت لي بهم قومًا إذا ركبوا.
وللكشميهني: من تلك الصلاة (الدنيا وما فيها).
٩٤٥ - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُبَارَكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "جَاءَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَلَّيْتُ الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغِيبَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: وَأَنَا وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا بَعْدُ. قَالَ فَنَزَلَ إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ، وَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ بَعْدَهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى) ولأبي ذر: عن المستملي، كما في فرع اليونينية: يحيى بن جعفر البخاري البيكندي، وهو من أفراد البخاري (قال: حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف (عن عليّ بن المبارك) ولابن عساكر: ابن المبارك (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بفتح اللام، ابن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، ﵁ (قال: جاء عمر) بن الخطاب، ﵁ (يوم) حفر (الخندق) لا تحزبت الأحزاب سنة أربع (فجعل يسب كفّار قريش) لتسببهم في اشتغال المؤمنين بالحفر عن الصلاة حتى فاتت (ويقول: يا رسول الله. ما صليت العصر حتى كادت الشمس أن تغيب).
فيه دخول: أن، على خبر كاد، والأكثر تجريده منها، كما في رواية أبي ذر: حتى كادت الشمس تغيب.
وظاهره: أنه صلّى قبل الغروب، لكن قد يمنع ذلك بأنه إنما يقتضي أن كيدودته كانت عند كيدودتها، ولا يلزم منه وقوع الصلاة فيها، بل يلزم أن لا تقع الصلاة فيها إذ حاصله عرفًا: ما صليت حتى غربت الشمس.
(فقال النبي ﷺ) تطييبًا لقلب عمر لما شق عليه تأخيرها:
(وأنا والله ما صليتها) أي العصر (بعد). (قال) جابر: (فنزل) ﵊ (إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون المهملة غير منصرف، كذا يرويه المحدّثون، وعند اللغويين بفتح الموحدة وكسر الطاء، (فتوضأ وصلّى العصر بعدما غابت الشمس).
وهذا التأخير كان قبل صلاة الخوف، ثم نسخ أو كان نسيانًا أو عمدًا لتعذر الطهارة، أو للشغل بالقتال، وإليه ذهب البخاري هنا. ونزل عليه الآثار التي ترجم لها بالشروط المذكورة، وهو موضع الجزء الثاني من الترجمة، وهو لقاء العدوّ ومن جملة أحكامه المذكورة: تأخير الصلاة إلى وقت الأمن، وكذا في الحديث: أخر ﵊ الصلاة حتى نزل بطحان، (ثم صلّى) ﵊ (المغرب بعدها) أي بعد العصر.
وسبق الحديث بمباحثه في باب: من صلّى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت.
٥ - باب صَلَاةِ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ رَاكِبًا وَإِيمَاءً
وَقَالَ الْوَلِيدُ: ذَكَرْتُ لِلأَوْزَاعِيِّ صَلَاةَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ وَأَصْحَابِهِ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ فَقَالَ: كَذَلِكَ الأَمْرُ عِنْدَنَا إِذَا تُخُوِّفَ الْفَوْتُ. وَاحْتَجَّ الْوَلِيدُ بِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ».
(باب صلاة الطالب و) صلاة (المطلوب) حال كونه (راكبًا وإيماءً) مصدر: أومأ.
كذا لأبي ذر الكشميهني، والمستملي: إيماء، ولأبوي ذر والوقت عن الحموي: وقائمًا بالقاف من القيام، وفي رواية قائمًا.
وقد اتفقوا على صلاة المطلوب راكبًا، واختلفوا في الطالب، فمنعه الشافعي وأحمد، رحمهما الله، وقال مالك: يصلّي راكبًا حيث توجه إذا خاف فوت العدوّ إن نزل.
(وقال الوليد) بن مسلم القرشي الأموي (ذكرت للأوزاعي)