للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فحمد الله من تلفظه بالحمد (ثم استأخر) أي تأخر (أبو بكر) رضي الله عنه من غير استدبار للقِبلة ولا انحراف عنها (حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى) بالناس.

واستنبط منه: أن الإمام الراتب إذا حضر بعد أن دخل نائبه في الصلاة يتخير: بين أن يأتم به أو يؤم هو، ويصير النائب مأمومًا، من غير أن يقطع الصلاة، ولا تبطل بشيء من ذلك صلاة أحد

من المأمومين. والأصل عدم الخصوصية خلافًا للمالكية، وفيه جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وإن المرء قد يكون في بعض صلاته إمامًا وفي بعضها مأمومًا.

(فلما انصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الصلاة (قال):

(يا أبا بكر ما منعك أن تثبت) في مكانك (إذ) أي حين (أمرتك). (فقال أبو بكر) رضي الله عنه (ما كان لابن أبي قحافة) بضم القاف وتخفيف الحاء المهملة وبعد الألف فاء، عثمان بن عامر، أسلم في الفتح وتوفي سنة أربع عشرة في خلافة عمر رضي الله عنه، وعبر بذلك دون أن يقول: ما كان لي أو لأبي بكر، تحقيرًا لنفسه واستصغارًا لمرتبته (أن يصلّي بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي: قدامه إمامًا به.

(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ من رابه) بالراء، وللأربعة: نابه أي أصابه (شيء في صلاته فليسبح) أي فليقل: سبحان الله، كما في رواية يعقوب بن أبي حازم (فإنه إذا سبح التفت إليه) بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول (وإنما التصفيق للنساء). زاد الحميدي والتسبيح للرجال.

وبهذا قال مالك، والشافعي وأحمد، وأبو يوسف، والجمهور.

وقال أبو حنيفة ومحمد: متى أتى بالذكر جوابًا بطلت صلاته، وإن قصد به الإعلام بأنه في الصلاة لم تبطل، فحملا التسبيح المذكور على قصد الإعلام بأنه في الصلاة، من نابه، على نائب مخصوص، وهو إرادة الإعلام بأنه في الصلاة. والأصل عدم هذا التخصيص لأنه عامّ لكونه في سياق الشرط، فيتناول كلاًّ منهما. فالحمل على أحدهما من غير دليل لا يصار إليه، لا سيما التي هي سبب الحديث، لم يكن القصد فيها إلاّ تنبيه الصديق على حضوره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأرشدهم صلوات الله عليه وسلامه إلى أنه كان حقهم عند هذا النائب التسبيح، ولو خالف الرجل المشروع في حقه وصفق لم تبطل صلاته، لأن الصحابة صفقوا في صلاتهم ولم يأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإعادة، لكن ينبغي أن يقيد بالقليل، فلو فعل ذلك ثلاث مرات متواليات بطلت صلاته لأنه ليس مأذونًا فيه.

وأما قوله عليه الصلاة والسلام: ما لي رأيتكم أكثرتم التصفيق؟ مع كونه لم يأمرهم بالإعادة، فلأنهم لم يكونوا علموا امتناعه: وقد لا يكون حينئذٍ ممتنعًا، أو أراد إكثار التصفيق من مجموعهم، ولا يضرّ ذلك إذا كان كل واحد منهم لم يفعله ثلاثًا.

واستنبط منه. أن التابع إذا أمره المتبوع بشيء يفهم منه إكرامه به لا يتحتم عليه ولا يكون تركه مخالفة للأمر، بل أدبًا وتحريًا في فهم المقاصد. وبقية ما يستنبط منه يأتي إن شاء الله تعالى في محاله.

ورواته الأربعة ما بين تنيسي ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة في مواضع، وفي الصلح والأحكام، ومسلم وأبو داود والنسائي.

٤٩ - باب إِذَا اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ

هذا (باب) بالتنوين (إذا استووا) أي الحاضرون للصلاة (في القراءة فليؤمهم أكبرهم) سنًّا.

٦٨٥ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: "قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ فَلَبِثْنَا عِنْدَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا فَقَالَ: لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى بِلَادِكُمْ فَعَلَّمْتُمُوهُمْ، مُرُوهُمْ فَلْيُصَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح الحاء وسكون الراء المهملتين آخره موحدة (قال: حدّثنا حماد بن زيد) هو ابن درهم، (عن أيوب) السختياني، (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي، (عن مالك بن الحويرث) بالحاء المهملة المضمومة آخره مثلثة، مصغرًا (قال: قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في نفر من قومي (ونحن شببة) بفتح الشين المعجمة والموحدتين، جمع شاب زاد في الأدب: متقاربون أي في السن. (فلبثنا عنده) عليه الصلاة والسلام (نحوًا من عشرين ليلة) بأيامها (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رحيمًا) زاد في رواية ابن علية وعبد الوهاب: رفيقًا، فظن أنّا اشتقنا إلى أهالينا، فسألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه (فقال): (لو رجعتم إلى بلادكم فعلمتموهم) دينهم

<<  <  ج: ص:  >  >>